حجّ ولم يَعُد!

أن تكون دخيلا على (قبيلة) في الوسط القبائلي المعهود عند جميع أسلافنا فهذا أمر شائع وله شواهد كثيرة في التاريخ ولهم في ذلك ولاء.

أن تكون دخيلا على (قبيلة) في الوسط القبائلي المعهود عند جميع أسلافنا فهذا أمر شائع وله شواهد كثيرة في التاريخ ولهم في ذلك ولاء.

الجمعة - 08 يناير 2016

Fri - 08 Jan 2016



أن تكون دخيلا على (قبيلة) في الوسط القبائلي المعهود عند جميع أسلافنا فهذا أمر شائع وله شواهد كثيرة في التاريخ ولهم في ذلك ولاء.

وأن تكون كذلك ذا أصل (خَدَمَاتِي) كان أجدادك يمتهنون فيه حِرْفَة في مجتمع طبَقي يصنّف الناس حسْب أدوارهم فهذا أيضا أمر سائغ في تلك الفترة ممّا يجعل فهمَه ممكنا وبسيطا.

وأن تكون من تلك الفئة التي قيل عنها أنها لا أصل لها يعْرفه أعيان العشائر ومشايخ القبائل وليس لك ماض تذْكرُه أنت، ولا ذَكَرَهُ لك أبوك أو (شيبانُك) فأنت كذلك واحد من آلاف هم مثلك ومن عيّنَتِك.

وأن تكون (طَرْشَ بَحْرٍ) أو(مِنْ بَقَايَا الحُجّاجِ) مثلي أنا، أتى أجدادُك مثلا من غَرْبِ أفريقيا العربية قبل قرون مضت لأداء الحجّ واستوطنوا أرض الحرمين ليَصْدُق عليهم القول الشائع (حجَّ ولمْ يعُدْ) رغْم عِلْمك بأصلك وتاريخك القديم والحديث ومعرفتك لأقاربك ولُحْمتِكَ هنا وهناك فهذا شأنٌ عاديّ ومشهور.

لكنّ الباحثين في الأصول والتكوينات الجِنسية والعِرقية لبني البشر كتبوا وألّفوا في تسميات القبائل وانحدار الأصول وأشجار الأنساب وأغصانها وأوراقها وثمارها ووضّحوا وزادوا ونقصوا وغاصوا في كثير من المتاهات وعقّدوا الكثير من الواضحات التي لا يمكن إنكارها أو حجبُها.

من سنُن الله في خلقه أن تكون الخليقة أصنافا وفئات بل وطبقات وتقسيمات على أُسُسٍ تختلف باختلاف ثقافات كل بقعة جغرافية رغم غضاضة ظلم.

كما لا يمكن أن نُغفل الدور المهم الذي لعبته (القبيلة) ككيان سياسي واجتماعي في قيام التكتلات والحضارات على مرّ العصور عند العرب وعند غيرهم، وعَزْو ذلك إلى الصُّدْفة أمر في غاية العجَب.

لكنّ الحقيقي في الأمر أن شرَف أي مجموعة أو نسْل من الخلْق إنما نما واستُحقّ بناء على أفعال وشيَمٍ وأخلاق ودور حضاري اتَّسم به أهل هذا التكوين وسار في الناس عادة ومعرفة.

ما يحزّ في النفس ليس أن تكون هذه الأمور موجودة ولا أن يكون للنّاس تصنيف في أنسابهم ولا أن يجد المفتخرون ما يفخرون به. لكن الذي يزعج رفض اجتماع في نسق وطن ولو اختلف الأصل.

فربي عزّ وجل قال (جعلناكم شعوبا وقبائل) والجَعْل الإيجاد والخلْق، وفي ذات التكوين أمر بالتعاون والتعامل والخُلُق حين قال (لتعارفوا) وهذا له مغزى من سُبُل الاتصال والهجرة والانتقال من مكان لآخر والبيع والشراء والاندماج في مجتمعات أخرى والانصهار فيها ليبقى الأصل الإنساني كما أراد له الله بقوله (ولقد كرّمنا بني آدم).

ما نُريد أن يفهمه النّاس هو تلك الرائحة الكريهة للعصبية المقيتة التي بدأت تظهر على سطح تعاملاتنا اليوم حتى في الأمْزجة الفنية واللهو والفن والأدب ناهيكَ عن الأمور المهمة من المحسوبيّات في المصالح العامّة والحقوق الخاصّة.

من يُنْكِر أصله كمن يدّعي أنه خُلق من غير أبٍ ولا أم ومن يدّعي لغير أصله كمن يلبسَ ثوبا يظهر تعثُّره فيه ومن يجعل عصبيّته أساس تعامله كمن يعيش وحده يظنّ أنه مخلّد في الدّنيا.

ما نؤكّد عليه فقط أنّ لكل شخْص في هذه البسيطة أصْلا يعود إليه وهو فخور به أيّاً كان نوع فخره، وضريبة الهجْرة والتنقّل من مكان لآخر في العصور القديمة والحديثة تجعل الفكْر أرقى والتعامل أدعى للتركيز على احترام الإنسان في إنسانيته بعيدا عن مرتكزات عصبية لا تزيد الصُّدور إلا حقدا ولا تملأ النفوس إلا غلاّ.

إِنْ كان كلُّ من يتْرُكُ بلَده ويُهاجر يصبِحُ ذا مذمّة ومسبّة عند أهل موطنه الجديد فتلك مُفارقة غريبة.

فالمُستعرض للتاريخ يجد هجرة الأنبياء من مواقعهم لمواقع أخرى مع احتفاظهم بمكانتهم ووضعهم الاجتماعي ويقرأ هجرة شعوب بأكملها من مكان لآخر وبقاء صفتهم وثقافتهم وفلسفتهم الاجتماعية ويجد هجرة عقول عربية وإسلامية للغرب أضحت أعلاماً يُشار إليها بالبنان، فالعبرة بكونك إنسانا وليس بكونك حججت ولم تعُدْ.