الأسطورة في الشعر العربي المعاصر

لجأ الشعراء لبعض الأساطير في نصوصهم من أجل توصيل المعنى بشكل أعمق فنيا، ويقدم الدكتور يوسف حلاوي لحضور الأسطورة في شعرنا العربي المعاصر، من خلال نصوص لمجموعة من الشعراء الرواد المؤثرين في كتابه "الأسطورة في الشعر العربي المعاصر"

لجأ الشعراء لبعض الأساطير في نصوصهم من أجل توصيل المعنى بشكل أعمق فنيا، ويقدم الدكتور يوسف حلاوي لحضور الأسطورة في شعرنا العربي المعاصر، من خلال نصوص لمجموعة من الشعراء الرواد المؤثرين في كتابه "الأسطورة في الشعر العربي المعاصر"

الجمعة - 01 يناير 2016

Fri - 01 Jan 2016

لجأ الشعراء لبعض الأساطير في نصوصهم من أجل توصيل المعنى بشكل أعمق فنيا، ويقدم الدكتور يوسف حلاوي لحضور الأسطورة في شعرنا العربي المعاصر، من خلال نصوص لمجموعة من الشعراء الرواد المؤثرين في كتابه "الأسطورة في الشعر العربي المعاصر".
وهنا ست منها:

1
أسطورة أنشودة المطر
"عيناك غابتا نخيل ساعة السحر،
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر.

عيناك حين تبسمان تورق الكروم.

وترقص الأضواء.
.
.
كالأقمار في نهر
يرجه المجذاف وهنا ساعة السحر
كأنما تنبض في غوريهما النجوم"
بدر شاكر السياب
موضوع المطر أي موضوع الخصب في الطبيعة، وثب به الشاعر وثبة عبقرية كبرى، فرمز بالمطر الذي هو ظاهرة طبيعية للثورة الاجتماعية التي يريد الشاعر أن تتفجر في العراق، لتقضي على القحط السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتحمل إلى المجتمع خصبا وخيرا وعدالة ورفاهية.


2
الأميرة تنتظر
"ويلاه
أقتلت أبي
وسلبت الخاتم، حتى ترفعه في وجه الناس.
.

وتحكم به".

صلاح عبدالصبور

مسرحية ذات بنية دائرية مفتوحة، تتمحور حول ثلاث شخصيات أساسية: الأميرة، السمندل، القرندل.
والبطلة هي الأميرة التي يستمد الشاعر أصولها من التراث القصصي الشعبي ومن الأسطورة معا.

حيث اعتمد على حكاية عربية قديمة مؤداها أن سابور حاصر حصن الحضر في العراق دون أن يتمكن من فتحه، وذات يوم أطلت النضيرة بنت ساطرون فأعجبت بسابور ـ ومكنته من فتح الحصن، وبعد ما تمكن من فتحه قتلها لأنه لم يأمن خيانتها، بعد أن خانت أباها.

وشخصيتا السمندل والقرندل مأخوذتان من ألف ليلة وليلة، فالسمندل له شخصية الملك الجائر الذي يغتصب الحكم، أما القرندل فهو من حكاية "الحمال والثلاث بنات" يوحي مظهرهم بالفقر والسخرية، لكنهم أبناء ملوك فقدوا ملكهم واكتسبوا خبرة في الحياة.

الأميرة خدعها أحد الحراس فسلمته نفسها ومكنته من الوصول إلى مفتاح القصر، فقتل الملك وحل مكانه ثم أنكرها ونبذها، وبقيت مع وصيفاتها في غابة سرو في كوخ حقير، وكل يوم يمثلن مشهد استسلامها ومقتل أبيها الملك، ثم ينخرطن في البكاء.

ومضت فترة في ذلك المكان على انتظار المواجهة مع السمندل الذي لجأ إليها من جديد بعد أن ساءت أحوال ملكه، فيقتل القرندل السمندل وتعود أميرة إلى عرشها.


3
عودة إلى سدوم
"عدت في عيني طوفان من البرق
ومن رعد الجبال الشاهقة،
عدت بالنار التي من أجلها
عرضت صدري عاريا للصاعقة،
جرفت ذاكرتي النار وأمسي
كل أمسي فيك يا نهر الرماد:
صلواتي سفر أيوب، وحبي
دمع ليلى، خاتم من شهرزاد
فيك يا نهر الرماد"
خليل حاوي

قصيدة ذات بنية دائرية تنطلق من حالة ظلامية تخيم على الواقع، فتسلط عليه نارا تحرقه وتحوله إلى رماد من أجل أن تعيد خلقه من جديد نظيفا متطهرا.


4
البئر المهجورة
"عرفت إبراهيم، جاري العزيز، من زمان.

عرفته بئرا يفيض بمائها
وسائر البشر
تمر لا تشرب منها، لا ولا
ترمي بها، ترمي بها حجرا"
يوسف الخال

صحراء قاحلة مترامية تحيط بالبشر، وليس من يسعى إلى إروائها وسد عطشها، ومع أن إبراهيم يقطن فيها ويفيض بمائه، إلا أن أحدا لا يشرب من بئره حتى ولا يرمي بها حجرا، وهذا الركون إلى الانحطاط، فيكشف لنا الشاعر عن الحالة الرمادية التي يعيشها الواقع والمأساة التي تكبل الإنسان فيه.


5
البعث والرماد
"أحلم أن في يدي جمرة
آتية على جناح طائر
من أفق مغامر
أشم فيها لهبا هياكليا
ربما لصور فيها سمة لامرأة
يقال صار شعرها سفينة"
أدونيس

الرمز الأسطوري المحوري فيها هو طائر الفينيق، الذي كلما أدركه الهرم يحرق نفسه ثم ينبعث فتيا قويا، فهو رمز التجدد والانبعاث.

بمعنى أن الشاعر أصبح فينيق العصر الذي سيحرقه ليخلصه من رماده وفراغه وركامه، كما يتخلص الفينيق من رماده عند الاحتراق.


6
الصقر
"والصقر في متاهة، في يأسه الخلاق
يبني على الذروة في نهاية الأعماق
أندلس الأعماق
أندلس الطالع من دمشق
يحمل للغرب حصاد الشرق.

يكتب الصقر للفضاء لمجهوله السخي
سائلا عن مكان، كشريانه نقي
يومئ الصقر للصقور متعب، حملته متاهاته، حملته الصخور
فحنا فوقها، يغذي متاهاته ويغذي الصخور"
أدونيس

الصقر في قصيدته هو قناع يشتمل على شخصيتين: عبدالرحمن الداخل التاريخي الفار من دمشق إلى الأندلس، وأدونيس الشاعر الذي فر من دمشق إلى لبنان، والقناع هو محصلة التفاعل بين الشاعر والشخصية التاريخية.