"من لم يشكر الناس.. لم يشكر الله"

 

 

الاحد - 21 ديسمبر 2014

Sun - 21 Dec 2014



إن الاعتراف بالفضل لله أولاً وأخيراً.. ثم لأصحابه من الناس، إنما يزيد الشاكرين رفعة ويدفع بالمشكورين لمواصلة نعمة العطاء، دون انتظار لشكر أو مردود لعون بذل محبة في الخير ورغبة فيما عند الله العاطي، وشكر الناس ليس إلا مرآة تعكس محاسن الأفعال.. وجمال ما أُسدي إليك من صنيع.. وكم حاول أصحاب الجميل والمعروف، بحكم ما أودع الله ضمائرهم من صفاء ونقاء إخفاء ما يقدمونه للناس من دعم ومساعدة ومساندة.. ولكن؟ وكما قال الشاعر:

يخفوا صنائعهم والله يظهرها

إن الجميل إذا أخفيته ظهرا

يخطئ من ظن يوماً – إذا كان من الذين أنعم الله عليهم بتفوق ونجاح – أنه حاز ذلك وصنعه بمفرده، فالنجاح ثمرة، سبقتها بذرة، واحتوتها تربة، وروتها سقية، وغذتها بالدفء شمس، ولفها من الله نسيم، والله يهيئ الأسباب، وهو الذي منحني أماً أرضعتني الخوف من الله، وأباً علمني كيف يكون الاعتماد على الله، رحمهما الله.

وهو الذي صف في طريقي رجالاً.. بكل ما قدموا حاضرون.. وبكل ما أسهموا حاضرون.. وبكل ما تركوا حاضرون.. في كل مرحلة من حياتي.. ما مضى منها، وما هو آت، تعداني تأثيرهم لينال أولادي منه نصيب، وليسعد به كل من عمل معي أو عملت معه من زميل أو صديق أو قريب، القائمة تطول.. ولكني مطالب بتسطير أسماء لا يحق لي تجاوزها.. شكلت محاور انطلاقتي ورسمت معالم حياتي، وكنت أعد لإطلاق هذه السلسلة من سلاسل الوفاء باستعراض مؤرّخ للبدايات، وبتسلسل زمني كان فيه للوفاء وقفات.. من رجال أثراني الله بهم وجعلهم على طريقي في هذه الدنيا إشارات وعلامات.

وكنت على وشك إرسال ما أعددت إلى الصحيفة حتى داهمني خبر انتقال عزيز وصديق وأخ حبيب إلى رحمة الله تعالى.. فجر الأربعاء الماضي معالي الفريق محمد بن رجا الحربي.. وأنا في مهمة عمل خارج المملكة الحبيبة. وإني إذ أتقدم بصادق العزاء وبالغ المواساة إلى أبناء أخي رحمه الله أحمد، وإبراهيم، وعمرو، ونبيل، ومازن، ونايف، ورجا وإلى آله وذويه.. أقدم لنفسي العزاء فيه. فقد كان رجل خير يسره الله لقضاء حوائج الناس وكان رجل بر يعرف معنى الوفاء كما يجب.. وكان قبل ذلك وبعده رجل عمل، ما كلف بشيء إلا أنجزه بكل مواصفات الدقة اللازمة.. وبكل مقاييس التطبيق الحازمة.. حتى غدا نموذجاً للالتزام، وشخصاً يستحق دائماً كامل الاحترام.

لقد كان واحداً من أفضل العقول التي تعاونت معي وتعاونت معها.. وترك عندنا بصمات رائدة ومثلاً به يحتذى.. ففي مجال مواقف السيارات المدفوعة الأجر له بصمة.. وفي مجال مدارس تعليم القيادة له بصمة.. وفي مجال النقل الجماعي له بصمة وخاصة ما تعاونا فيه في إيجاد مواقف للسيارات الضخمة في مداخل مكة المكرمة والتي خففت من عبء الزحام في العاصمة المقدسة، وكذلك تعاونا في الخط الترددي في عرفة جعل الله كل ذلك في موازين حسناته وموازين من عمل معه.

لقد قدم لبلاده ومليكه خدمات جليلة جعلته في موقع التقدير.. ومنحته أوسمة الإجادة ونياشين الإشادة.

وكم هو مؤلم أن يفارق المرء أخاً وصديقاً بهذا الحجم وبهذا القدر من العطاء، ولكنها الحياة والقدر والحق الذي أجراه الله على عباده.. والذي لا يخفف من وطأته إلا الإيمان الصادق والاعتقاد المطلق بالله الواحد القهار الحي الذي لا يموت.

وإذا كان الموت رحيلا لجسدٍ وانتقالا لروح وعودة إلى ربها، فإن ما تتعهدُ الأيام بحفظه وبقائه بعد الموت هو ذلك العمل الطيب والسمعة الحسنة التي يتركها الراحلون إرثاً ليس لولدهم فقط ولكن لكل من عرفهم وتعاون معهم وأحبهم.

وإن ما عرف عن أخي المرحوم بإذن الله.. من نزاهة وعفة في اليد واللسان، يجعلانه باقياً دائماً في ذاكرتي وفي وجداني، كل يوم وحتى آخر أيامي.

وصدق القائل عليه صلاة ربي وملائكته وسلام الناس أجمعين “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له”.

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه بفضله فسيح جناته. إنا لله وإنا إليه راجعون.



"من لم يشكر الناس.. لم يشكر الله" - ( 1)

"من لا يشكر الناس.. لا يشكر الله" - (2)

"من لم يشكر الناس.. لم يشكر الله" - (3)



"من لم يشكر الناس.. لم يشكر الله" - (4)