هل كان تقرير ماكينزي حالما؟

تقرير ماكينزي (McKinsey) حول الرؤية المستقبلية لاقتصاد المملكة أو خطة المملكة ما بعد النفط: «التحول للاستثمار والإنتاجية» يمكن قراءته من زوايا متعددة دون إفراط أو تفريط، يكفي أنه وضع اليد على جرح الاقتصاد النازف، وشخص الواقع الاقتصادي بحيادية، رغم أن ما جاء في التقرير ليس جديدا، بل إعادة صياغة لما يطرح ويناقش في الإعلام المحلي حول أهمية الإصلاح الهيكلي للاقتصاد.

تقرير ماكينزي (McKinsey) حول الرؤية المستقبلية لاقتصاد المملكة أو خطة المملكة ما بعد النفط: «التحول للاستثمار والإنتاجية» يمكن قراءته من زوايا متعددة دون إفراط أو تفريط، يكفي أنه وضع اليد على جرح الاقتصاد النازف، وشخص الواقع الاقتصادي بحيادية، رغم أن ما جاء في التقرير ليس جديدا، بل إعادة صياغة لما يطرح ويناقش في الإعلام المحلي حول أهمية الإصلاح الهيكلي للاقتصاد.

الخميس - 17 ديسمبر 2015

Thu - 17 Dec 2015



تقرير ماكينزي (McKinsey) حول الرؤية المستقبلية لاقتصاد المملكة أو خطة المملكة ما بعد النفط: «التحول للاستثمار والإنتاجية» يمكن قراءته من زوايا متعددة دون إفراط أو تفريط، يكفي أنه وضع اليد على جرح الاقتصاد النازف، وشخص الواقع الاقتصادي بحيادية، رغم أن ما جاء في التقرير ليس جديدا، بل إعادة صياغة لما يطرح ويناقش في الإعلام المحلي حول أهمية الإصلاح الهيكلي للاقتصاد.

ما تضمنه التقرير الذي صدر الأسبوع الماضي على نحو 150 صفحة، كلنا نعرفه وندركه، وتحدثنا عنه مرارا وتكرارا على المستويات الرسمية وغير الرسمية، وكان محور نقاش ندوات وورش عمل مستمرة، ولا يعني ذلك تشكيكا في شركة ماكينزي وقدرتها، فهي من أعرق بيوت الخبرة العالمية وأكثرها خبرة، وتتميز دراساتها وتقاريرها بالعمق والجودة، لكن الاختلاف في هذا التقرير عما سبقه من تقارير وورش عمل، أنه تحدث بلغة الأرقام، ووضع إطارا زمنيا لبلوغ ذلك، وحدد خارطة طريق لبلوغ ذلك.

التقرير تحدث عن خطة طويلة المدى لمضاعفة حجم اقتصاد المملكة في 2030، أي بعد 15 عاما ليصل إلى 6 تريليونات ريال، بقيادة استثمارات القطاع الخاص نحو 4 تريليونات دولار، أي 15 تريليون ريال لخلق وتوليد نحو 6 ملايين وظيفة للسعوديين، بما يعادل 3 أضعاف مستوياتها الحالية، ويعني ذلك وفقا للتقرير انخفاض نسبة البطالة من 12 % إلى 7 %، وزيادة نسبة المشاركة السعودية في القوى العاملة خلال السنوات القادمة من 41 % إلى 60 %، مقابل انخفاض في نسبة الوظائف التي يشغلها الأجانب من 55 % إلى 26 %.

ودعا للاستمرار في الإنفاق التنموي خلال السنوات القادمة لمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 100 %، ليقفز من 800 مليار دولار في عام 2015 إلى 1600 مليار دولار في عام 2030، مع ارتفاع دخل الأسرة الشهري من 3000 إلى 6000 دولار، ترى ما كينزي أن تشجيع القطاع الخاص على زيادة نسبة النمو في القطاعات غير النفطية، مثل التعدين والبتروكيماويات والصناعات التحويلية وتجارة التجزئة والسياحة والرعاية الصحية والتمويل والبناء شرط أساسي لرفع نسبة الإيرادات غير النفطية من 10 % إلى 70 % من إجمالي الإيرادات.

هذه الأرقام الماثلة أمامكم قد تكون حجة لنا أو علينا بعد خمسة عشر عاما من الآن، مع أن أغلب الظن يوحي أنها ستكون حجة علينا، لأن المعايير التي اعتمدها التقرير لم تكن شفافة، فهناك أجزاء من الواقع مغيبة، والحلول والأرقام التي قدمها حالمة كثيرا، وإذا افترضنا واقعية التقرير وصدق المعايير التي بنيت عليها هذه الأرقام، فإن تحقيقها بالطرق التقليدية والأسلوب والنهج والتخطيط الحالي خلال هذه الفترة شبه مستحيل، وهذا ليس إفراطا في التشاؤم؛ بل من الواقعية التي يجب أن نتحلى بها.

لأن ذلك يتطلب تغييرا جذريا في الحكومة والقطاع الخاص والأفراد، يشمل السياسات الاقتصادية والمالية، والإنفاق الاجتماعي، وتغييرا آخر يشمل كل القطاعات دون استثناء، والسؤال الأهم، هل كل هذه القطاعات مستعدة ومهيأة لهذا التغيير، حتى وإن حدث هذا التغيير فإنه لن يضمن لنا تحقيق كل ما ورد في التقرير خلال الإطار الزمني الذي وضعه.

إجمالا، ما جاء في التقرير حالم كثيرا قياسا بتاريخ الاقتصاد السعودي والعيوب الهيكلية التي قد يستغرق إصلاحها نصف المدة التي وضعها التقرير، لكن ذلك لا يمنع من التعامل معه بشيء من المنطقية، والعمل على تحقيق بعض ما ورد فيه، وسأكون سعيدا لو تحقق نصف ما جاء في التقرير من أرقام، لأنها تعني أننا بدأنا بالفعل في الإصلاح الهيكلي للاقتصاد، ومن صار على الدرب وصل.

أختم بأن ما بعد صدور التقرير هو الأهم، فالتقرير صدر وانتشر في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وأصبح حديث الساعة، فهل بدأنا بالفعل في وضع خطط استراتيجية واضحة المعالم، تحدد مدى الإنجاز السنوي وبالأرقام والنسب المئوية وأين سنكون بعد خمس سنوات، وبعد عشرات السنوات من الآن، وإلا ستمضي هذه السنوات كما مضت 45 عاما من الخطط والاستراتيجيات التنموية الماضية.



[email protected]