شبح الموت يخيم على خنادق معارك الحرب الكبرى

عاش المقاتلون الحرب العالمية الأولى في ظروف معيشية يومية صعبة للغاية في الخنادق بين معركة وأخرى وسط المطر والبرد والقمل والجرذان مع إمدادات عرضة للمخاطر ،وشروط صحية معدومة، حيث كانت رائحة الموت تفوح في كل مكان

عاش المقاتلون الحرب العالمية الأولى في ظروف معيشية يومية صعبة للغاية في الخنادق بين معركة وأخرى وسط المطر والبرد والقمل والجرذان مع إمدادات عرضة للمخاطر ،وشروط صحية معدومة، حيث كانت رائحة الموت تفوح في كل مكان

الاثنين - 17 فبراير 2014

Mon - 17 Feb 2014



عاش المقاتلون الحرب العالمية الأولى في ظروف معيشية يومية صعبة للغاية في الخنادق بين معركة وأخرى وسط المطر والبرد والقمل والجرذان مع إمدادات عرضة للمخاطر ،وشروط صحية معدومة، حيث كانت رائحة الموت تفوح في كل مكان

ذهبوا صيف العام 1914 إلى الحرب معتقدين أنها “مجرد نزهة” لبضعة أشهر، لكن المقاتلين على الجبهة الغربية الذين أنهكتهم المدفعية وضعوا حدا للحرب المتحركة اعتبارا من نوفمبر، وبقوا لأربع سنوات على 700 كلم من بحر الشمال على الحدود السويسرية

الخنادق كانت في البداية عابرة، كناية عن خط أمامي يحفر بالرفش والمعول اللذين أصبحا من الأدوات الأساسية

اعتمد ترسيم متعرج لها لتجنب الرمي المتتالي وكانت تحمى من الأعداء بحواجز من أكياس الرمل وصف من الأسلاك الشائكة بهدف إبطاء أي تقدم في “المنطقة العازلة” الفاصلة بين خطوط المتقاتلين التي كانت أحيانا متباعدة لعشرات الأمتار فقط

ثم تنامت الخنادق لتصبح ملاجىء لحماية الجنود ومراكز حراسة وقيادة وعمليات إغاثة ومنصات للرشاشات، يتم حفرها على عمق مترين وبعرض عشرات السنتمرات

وتدعم الجدران بجذوع أشجار لمنع انهيارها

وكانت خنادق الخط الأمامي تتصل بالخنادق الخلفية بأخاديد تشكل دهليزا معقدا يتيه فيه أحيانا الجنود

وأعد الألمان الذين فضلوا الدفاع عن الأراضي التي احتلوها صيف 1914 خنادق متينة ومريحة أكثر من الخنادق الفرنسية التي اعتبرتها هيئة الأركان لمدة طويلة مجرد نقاط انطلاق موقتة للهجمات الرامية إلى استعادة الأراضي المفقودة

كما استخدم الألمان بشكل واسع الاسمنت وشيدوا ملاجىء أكثر عددا وأقل مساحة ليحدوا من الخسائر أثناء عمليات القصف

وكانت الحياة اليومية صعبة للغاية في هذه الخنادق الخالية من كل المقومات الصحية

وحتى عندما يسود الهدوء القطاع فإن الخطر كان دائما بإطلاق نار البنادق أو مدافع الهاون

لكن المطر والوحل كانا العدو الأكبر للجنود

فالمطر يضعف الخنادق ويخيف الجنود ويحرمهم من النوم

فالوحل يركد في عمق الخنادق ما يجعل التنقل مضنيا كثيرا

وعمليات التناوب التي كانت تجري عموما كل يومين أو ثلاثة أيام للذهاب إلى “الخط الأمامي” أو النزول منها غالبا خلال الليل وأثناء ساعات طويلة كانت عذابا حقيقيا

فالجنود كانوا يتقدمون بصعوبة شديدة في أخاديد الاتصال الضيقة وهم يحملون عشرات الكيلوجرامات من المعدات من امتعة وذخائر وأسلحة ومؤن

وفصل الشتاء يزيد الطين بلة مع إضافة البرد القارس إلى كل ذلك

وتلك الظروف الصعبة جدا كان يتحملها الجنود الآتون من الأرياف وكانوا أكثرية، بشكل أفضل من أولئك الآتين من المدن

وكانت الملاجئ مرتعا للجرذان الكبيرة في الغالب التي كانت تقتات من الأقذار وجثث القتلى

أما القمل فكان موضوع معاناة دائمة ولاسيما أن الاغتسال بأبسط أشكاله كان مستحيلا

وقد أعدت مراحيض على مقربة من الملاجئ

والروائح كانت نتنة صيفا وشتاء، خصوصا على خط الجبهة في القطاعات التي كان عنف المعارك لا يسمح بانتشال جثث جميع الجنود الذين سقطوا أثناء الهجمات

غالبا كانوا يسقطون بالعشرات بين خطوط الأعداء أحيانا عالقين على مرأى الجميع في شباك الأسلاك الشائكة التي أطلق عليها المقاتلون الفرنسيون تسمية “آلات التجفيف”

والتموين كان أساسيا لرفع معنويات الجنود، ومن هذه الناحية كان الفرنسيون والبريطانيون محظوظين قياسا إلى الألمان الذين كان يخنق حصار الحلفاء بلادهم التي كانت تعاني من نقص المواد الغذائية

لكن بالرغم من جهود إدارة التموين التي كانت تقوم بمعجزات لوجستية، كان الحساء أو اليخنات التي كان يتم طهوها في “مطاعم متنقلة” تقام على مسافة كبيرة من الخط الأمامي تصل باردة

وقطع الخبز كانت تصل مجمدة أو عفنة

وفي الجانب الفرنسي كان النبيذ الأحمر الذي كان كل مقاتل يتلقى منه ليترا كل يوم، وعلبة السجائر تنسيهم ولو قليلا هذا الواقع اليومي المر

وبين المهمات المرهقة العديدة كان هناك أحيانا أوقات للترفيه

فالجنود الذين كان معظمهم عمالا حرفيين كانوا يقومون بأعمال يدوية عديدة مستفيدين بما كانوا يحصلون عليه من خشب وخرق ورصاص أو عبوات فارغة

فنمت “صناعة خنادق يدوية” حقيقية لعصي ومصابيح وغلايين وتماثيل وحلي وحتى أدوات موسيقى

لكن توزيع البريد اليومي عندما تكون الجبهة هادئة، كان الوقت المفضل الذي كان ينتظره الجنود في الخنادق لأنه كان يحمل أخبارا من الأهل أو الزوجة أو الخطيبة وأحيانا طرودا تحتوي مؤنا أو ملابس

وكانت السلطات تحرص خصوصا على إبقاء الاتصال بصورة دائمة مع الخطوط الخلفية ما كان يعتبر أساسيا لإبقاء المقاتلين “صامدين” في الظروف المريعة التي كانت سائدة على الجبهة

وكان يتم تبادل حتى ستة ملايين رسالة وطرد يوميا في الجانب الفرنسي بين ملايين الجنود الموجودين على الجبهة وعائلاتهم

لكن أيا تكن جنسيتهم فإن رسائل الجنود الذين لم يشؤوا إثارة قلق ذويهم وكانوا يخضعون إضافة إلى ذلك للرقابة العسكرية لم تكن تروي الكثير عن فظاعات الوضع في الخنادق