ضرورة تهيئة الرأي العام وتوعيته

السوق
السوق

الأحد - 31 يناير 2016

Sun - 31 Jan 2016

إذا أراد الله لاسم أن تُحفر حروفه في أذهان الناس طويلا جعل لصاحبه أولا من اسمه نصيبا جميلا، ثم هدى فكره وروحه غاية وسبيلا، وسخّره لخدمة دينه ووطنه تسخيرا نبيلا، حتى يمسي للأمل والخير معقلا ودليلا، ويذللّ له المعاني والمفردات تذليلا، فيمسي شعره شدوا وهديلا، ويصبح نثره تغريدا أصيلا.

ولقد تزينت صفحات مكة الجريدة، بروائع في أكثر من قصيدة، لأمير مكة وابنها البار، صاحب السمو الملكي، مستشار خادم الحرمين الشريفين، الأمير خالد الفيصل، يحفظه الله، وبالطبع فإن أروع ما يزين ما يذيّله خالد بتوقيعه، هو توقيته في نشر شعره ونثره، فكانت بالأمس «تحزّموا» والتي تفاعل مع معانيها السامية الأمينة كل عامل في أسرة تحرير مكة فخرجت في صورة تليق بمضامينها الباهرة..

ياهْل القلـم والشّـان ردّوا التّهـايم

عدوانكـــم استأجـــروا كل كــذّاب

إلى متــى ما غيــر نقــرا الظلايم؟

وِاعلامنــا يــزوّد القـــــــوم باسبـــاب

لا تنثــرون المــال بيـــن الهــلايم

إستثمـــروا في عقــول قـاده وكتاب

وحطّوا مراكز بحث للشّـور دايم

تقودها قدراتــنا وبعــض الاصحاب

ولا تستهينــــوا بادّعــاء الخصايم

ترى الكِــذِب إذا لقـى إذن جذّاب

تقــاســمــــونا بالخــــرايط ولايـــم

ونْصدّق التّطمــين من كاشِر النّاب

ترى المســـا نذير فجـــر العظـايم

تحــزّموا لْقــــادم الـــوقت بحســاب

من ضيّــع الفرصـــه دهته الهزايم

ومـن لا يجهّز لـ اخْطر أيامها خاب

اليـــوم ما هـــو يـــوم لــومٍ ولايـــم

اليـــوم للّـــي يرفـــع الـــرّاس حـرّاب

وانا ادري إن الكل بالمجد هايم

وكـــلٍ لـــعز الـــدّار بالــروح وهّـاب

نعم لقد كان الشعر والبلاغة منذ عصور العرب الأولى هما الجهاز الذي يوازي اليوم وزارات الإعلام وأجهزة الشؤون المعنوية والتوعوية، وكان الشعراء والفصحاء والبلغاء، هم المناط بهم تهيئة الرأي العام وتوعيته، وشحذ هممه وإشعال حماسته، بالتركيز على مناقب قادتهم، وإظهار نقاط ضعف الجانب المعادي، وبثّ الصغار بين صفوفهم وفضح أكاذيبهم، ونشر حقائق الفخار والمعالي الجالبة للنصر على الأعادي، دون أن تخلو بحور بلاغتهم من إطلاق التحذيرات، وتلافي مواطن الفرقة والاختلافات، والحض على إعداد العدة، والاستعداد بكل الوسائل المتاحة للرد والمقاومة.

ولا يغيب عن القوافي استذكار المجد وما تحقق من انتصارات في مواقع سابقة، وعلى سبيل المثال، يقول أبوفراس الحمداني، محقرا ومصغرا عدوا، تطاول بالكذب والادعاءات مفتريا: 

أتزْعُمُ، يا ضخم اللّغادِيدِ، أنّنا

ونحن أُسودُ الحرْبِ لا نعرِفُ الحرْبا

فويلك؛ منْ للحربِ إنْ لمْ نكنْ لها؟

ومنْ ذا الذي يمسي ويضحي لها تربا؟

لقد جمعْتنا الحرْبُ من قبلِ هذِهِ

فكنا بها أسدا؛ وكنت بها كلبا

رعى اللهُ أوفانا إذا قال ذمة

وأنْفذنا طعْنا، وأثْبتنا قلْبا

ولكم أن تتصوروا، مدى الزخم والحمية والحماس الذي تولده مثل هذه الأبيات في نفوس أهل الشاعر، كما لكم أعزائي أن تتخيلوا اليأس والفتور اللذين يحدثان بين صفوف الأعداء في المقابل.

وهكذا كان قلم الحمداني يردّ كل تهمة أطلقها الأعداء؛ ليبقى الناس في معسكره أصلب عودا وأقوى شكيمة، ينتظرون يوم اللقاء، ليكسبوا نصرا جديدا.

استثمروا في عقول قادة وكتّاب

وحطوا مراكز بحث للشور دايم

دعوة صريحة من الأمير الشاعر الأديب، للاستثمار في العلم والبحث، ذلك أن الثمار المنتظرة هي وفيرة وعظيمة..

ويقول الإمام الشافعي - يرحمه الله:

العلم مغرس كل فخر

واحذر يفوتك فخر ذاك المغرس

واعلم بأن العلم ليس يناله

من همّه في مطعم أو ملبس

نعم لقد ساد العرب المسلمون الدنيا شرقا وغربا حين كان العلم مطلبهم، فكان سلاحهم، وكان طالب العلم يحتل أشرف مكانة، ذلك أنه الساعي إلى بناء المجد لهذه الأمة وهو القنديل الذي سيضيء كل طريق تملؤه العتمة ويغيبه الجهل والضلالة.

وينصح الأمير في رائعته الأخيرة:

لا تستهينوا بإدعاء الخصايم

ترى الكذب إذا لقى إذن جذاب

وكأنه ينبّه إلى خطر المصادر التي تأتي بأخبار ملفقة، وأوهام مضللة، عبر وسائل وقنوات بُعث وتواصل بثها من أجل ذلك، جذبا لآذاننا وتحريفا للحقائق، وزرعا للشك والفتنة، مستخدمة أحدث وسائل العصر في الإبهار للحصول على تأثير سريع.

ولا شك أن الكثير من أبناء هذه الأمة للأسف الشديد وقعوا فريسة لهذا الخداع، فتحولت الأمة الواحدة إلى أمم مبعثرة وتقطعت الدولة الواحدة إلى عدة دويلات، فصار من السهل على الأعداء حتى وإن تسربلوا في ملابس صديقة أن ينفذوا إلى أقطارنا ليواصلوا تحت سمعنا وبصرنا ذلك التقطيع والتجزيء:

تقــاســمــــونا بالخــــرايط ولايـــم

ونْصدّق التّطمــين من كاشِر النّاب 

وبالفعل وكما قال الشاعر العربي القديم:

إذا رأيت نيوب الليث بارزة

فلا تظنن أن الليث يبتسم

ورغم المشاركة الدائمة للأمير الشاعر في كل مناسباتنا الوطنية وبعض المناسبات العربية، خاصة تلك التي تنضوي تحت مظلة مؤسسة الفكر العربي، والتي غدت بفضل توفيق الله أولا، ثم بالجهد المتواصل من أمير الأدب العربي خالد الفيصل، والتي تتجاوب معها المشاعر وتطرب لها الأحاسيس، إلا أن علينا جميعا أن نسهم في نشر هذا الوعي وغرس هذه الحماسة وتكريس الانتماء، بدءا من منازلنا، وإن كنت أشعر أنها في كثير من الأحوال غدت مراقد أكثر منها منازل، وقد يصدف ألا يلتقي ساكنوها من الأسرة الواحدة أياما كاملة وهم نزلاء ذات الدُور، لقد شغلت الحياة الكثير عن الكثير من أدوارهم ومهماتهم، وأظن أن مدارسنا لم تعد أسعد حظا من البيوت، حين تضاءلت الأنشطة الوطنية التي كانت تولد النشاطات الثقافية والمسرحية، على الأقل في نهاية الأعوام الدراسية، واختفت المعارض الفنية، والتي كانت تقام أكثر من مرة في العام الواحد، في منافسة ملهمة بين المدارس والطلبة.

وأسلم أولادنا وبناتنا عيونهم وعقولهم للألعاب الالكترونية، والقنوات التلفزيونية، ومواقع التواصل الاجتماعي بكل محظوراتها، رغم ما بها من فوائد واستمتاع فكري وثقافي، ولكن يبدو أن زوارها أقل بكثير من رواد الأخرى.

وانا ادري إن الكل بالمجد هايم

وكـــلٍ لـــعز الـــدّار بالــروح وهّـاب

بهذه الثقة المطلقة في أهل الدار ختم الأمير خالد الفيصل رائعته الأخيرة..

وكل ما علينا أن نعمل معا وفي كل الجهات لتبرز هذه الثقة في صدور الكل ولتبقى متقدة في ضمائرهم في كل الظروف جذوة لا يخبو لها لهيب، يدرك حجم تفاعلها العدو والحبيب. فالمملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين، يحفظه الله، تمتطي صهوة قيادة العالمين العربي والإسلامي، ولا بد لأبناء المملكة أن يواكبوا هذه الانطلاقة.. وأن يتمسكوا بهذه الفرصة المجيدة.

من ضيّــع الفرصـــه دهته الهزايم

ومـن لا يجهّز لـ اخْطر أيامها خاب

وصحّ لسانك يا أمير.