معاذ التركي وحسن الختام
الموت هو نهاية كل كائن حي، ومهما طال الزمن أو قصر بابن آدم فإن مصيره إلى الموت، والسعيد من استعد للرحيل وعمل لما بعد الموت، والشقي من شغلته الدنيا بشهواتها وملذاتها المحرمة وصرفته عن طاعة الله، وأنسته التفكير في القبر وعذابه وفتنته، وعن اليوم الآخر وأهواله.
الموت هو نهاية كل كائن حي، ومهما طال الزمن أو قصر بابن آدم فإن مصيره إلى الموت، والسعيد من استعد للرحيل وعمل لما بعد الموت، والشقي من شغلته الدنيا بشهواتها وملذاتها المحرمة وصرفته عن طاعة الله، وأنسته التفكير في القبر وعذابه وفتنته، وعن اليوم الآخر وأهواله.
الأحد - 06 ديسمبر 2015
Sun - 06 Dec 2015
الموت هو نهاية كل كائن حي، ومهما طال الزمن أو قصر بابن آدم فإن مصيره إلى الموت، والسعيد من استعد للرحيل وعمل لما بعد الموت، والشقي من شغلته الدنيا بشهواتها وملذاتها المحرمة وصرفته عن طاعة الله، وأنسته التفكير في القبر وعذابه وفتنته، وعن اليوم الآخر وأهواله.
وهناك نماذج مضيئة من الفئة السعيدة التي أكرمها الله عز وجل بحسن الختام، ومن هذه النماذج الشاب معاذ بن إبراهيم التركي، رحمه الله، الذي رحل فجأة عن هذه الدنيا الفانية قبل نحو شهر وهو قادم من المدينة إلى مكة لأداء العمرة بعد تعرضه لحادث مروري، وكان وقع خبر وفاته كبيرا ومؤلما، حيث حزن الجميع على فراقه واسترجعوا قول المصطفى، صلى الله عليه وسلم، عند وفاة ابنه إبراهيم (إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، نعم وإنا على فراقك يا معاذ لمحزونون، فلقد كان نعم الشاب البار والحنون، وجمع من الصفات والخصال الحميدة الشيء الكثير، ولا غرو في ذلك، فهو من أسرة كريمة، فوالده الشيخ إبراهيم من العاملين في مجال الدعوة بالداخل والخارج، بالإضافة إلى التدريس بالمسجد النبوي، والخطابة بجامع الملك عبدالعزيز بالمدينة، وسار أبناؤه على نهجه المبارك.
وقد تزوج الفقيد الراحل معاذ قبل نحو عام من أسرة كريمة، هي أسرة العبدالكريم، وكانت زوجته وما زالت نعم الزوجة الصابرة المحتسبة، ترملت في سن مبكرة، وتذكرت ما أصاب ابنتي غادة من فقدان لزوجها، رحمه الله، بحادث مروري مفاجئ قبل أكثر من عامين، وحمدت الله على قضائه وقدره، وذهبت زوجتي وبناتي مرة أخرى لزيارة زوجته، رحمه الله، وأهلها قبل عدة أيام، واستمعن من زوجته ووالدتها الفاضلة الشيء الكثير من مآثره، رحمه الله، فهنيئا له بهذه السيرة العطرة وهذا الثناء الحسن وهذا من عاجل البشرى له، رحمه الله، فرحمك الله يا معاذ وجبر كسر قلوبنا جميعا على فراقك.
يـا كوكبـا مــا كــان أقـصـر عـمـره وكــذا تـكــون كـواكــب الأسـحــار
وهــلال أيَّــام مـضـى لـــم يـسـتـدر بــدرا ولــم يُمْـهَـل لـوقــت سِـــرار
عجِـل الخسـوف عليـه قـبـل أوانــه فـغـطَّــاه قــبــل مَـظِـنَّــة الإبـــــدار
فــكـــأنَّ قـلــبــي قــبـــره وكــأنَّـــه فـــي طـيِّــهِ سِـــر مـــن الأســـرار
أبـكـيـه ثـــم أقـــول مـعـتــذرا لــــه وُفِّــقــتَ حــيــن تــركـــتَ أدنى دار
وأقول لزوجته كما قلت لابنتي غادة عند وفاة زوجها، رحمه الله، «إن موت الفجاءة وقعه شديد ومرارته صعبة، لكن حكمة الله البالغة أنه لم يدع البشر يعيشون حياة تعطيهم كل آمالهم. ثم أن طبيعة الحياة عجيبة، فهي لا تعطينا إلا لتأخذ منا، ولا تهب لنا شيئا إلا لتنال مقابلا. استشعري يا بنيتي معنى قوله تعالى (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون) فيما يعرض لك من بأساء وضراء، حتى تكوني أهلا لرحمة الله بعد صبرك على البلاء. فرحمة الله وثوابه خير لك من الحزن والجزع والأسى، والصبر روح الإيمان ومناط الثواب بالقضاء، إذا سلم لله أمره». وصدق الله العظيم القائل (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ). وأرجو أن تكوني من هؤلاء.
وسأعرض بعضا من سيرته العطرة، رحمه الله، فلقد تخرج في كلية الشريعة بالمدينة وحفظ القرآن الكريم، ودرّس مئات الطلاب في الحلقات، وخطب عشرات الخطب، وأم المصلين وتولى القضاء، وخُتمت حياته في إحرامه، وأراد الله له المزيد من فضله بعد مماته فأشهر ذكره، ومع أنه، رحمه الله، لم يكمل عمرته فقد سخر الله له عشرات ممن اعتمروا عنه، وعجز عن وقف لحلقات مسجده فتُكفل عنه بعدة أوقاف، فضلا عن دعوات لا تحصى، ويظل البعض يتساءل ماذا فعل معاذ لنقتدي به، فأقول، كما قال غيري عنه، إنها سلامة الصدر والإخلاص والجد والهمة في الطاعة والعبادة والبر والعلم والدعوة، وكان صاحب قيام بآخر الليل وقارئا لكتاب الله عند الفجر، فضلا عن كونه محبا للعمل الخيري مثل المساعدة في المهور، وتسديد الديون، والإسهام في شراء السيارات والكتب للمحتاجين من طلاب العلم، ولا يحب الجدال ولا الخلاف ولا رفع الصوت.
وقد روى لي أحد إخوته منظره بعد وفاته، رحمه الله، أنه لم تفارق محياه الابتسامة المعهودة ورائحته الزكية، وأثناء تغسيله كان الدم يسيل بلونه الطبيعي رغم مرور أكثر من عشر ساعات على وفاته، وصُلي عليه بعد صلاة الفجر بالمسجد النبوي وشيعه جمع غفير من أهله وأقاربه ومحبيه ودفن بالبقيع.
أسأل الله الذي اختاره أن يوسع له في قبره، وأن يجعل منزلته في الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يجبر مصاب والديه وإخوته وزوجته ومحبيه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.