جدل حول مسمى "سفربرلك" والردادي يحسم سبب التهجير

حسم الباحث في التاريخ المديني الدكتور عائض الردادي الخلاف حول سبب تهجير أهل المدينة في كارثة ما يعرف بـ"سفربرلك" مرجحا أن القائد العثماني فخري باشا أقدم على ذلك لتوفير الغذاء للعسكر، ولتستمر الحامية العثمانية في الدفاع عنها، لأن المدينة مقبلة على ملحمة كبرى

حسم الباحث في التاريخ المديني الدكتور عائض الردادي الخلاف حول سبب تهجير أهل المدينة في كارثة ما يعرف بـ"سفربرلك" مرجحا أن القائد العثماني فخري باشا أقدم على ذلك لتوفير الغذاء للعسكر، ولتستمر الحامية العثمانية في الدفاع عنها، لأن المدينة مقبلة على ملحمة كبرى

الخميس - 26 نوفمبر 2015

Thu - 26 Nov 2015



حسم الباحث في التاريخ المديني الدكتور عائض الردادي الخلاف حول سبب تهجير أهل المدينة في كارثة ما يعرف بـ"سفربرلك" مرجحا أن القائد العثماني فخري باشا أقدم على ذلك لتوفير الغذاء للعسكر، ولتستمر الحامية العثمانية في الدفاع عنها، لأن المدينة مقبلة على ملحمة كبرى.

وأوضح في محاضرته بأدبي المدينة أمس الأول بعنوان "القائد العثماني فخري باشا الظالم المظلوم" أن الحمى الإسبانية انتشرت تلك الفترة، وفتكت بالناس، مشيرا إلى أن الباشا حدد مهلة للخروج لمدة شهرين، ثم بدأ التهجير القسري، ولم يقصد التهجير لذات التهجير، بل اعتقد أنه يدافع عن المدينة، ولم يظن أنه تسبب في قتل الناس.



جدل



وشهدت المحاضرة التي أدارها فهد السليمي جدلا حول مسمى سفربرلك، حيث ذهبت آراء إلى أنها لا تعني التهجير القسري وإنما تعني: إعلان الدولة للنفير العام والتأهب للحرب عموما.

وفيما اعترض المؤرخ الدكتور سعيد طولة على التاريخ الذي أورده الردادي حول جلاء أهل المدينة عام 1333 لأن كيجمان كتب بالتاريخ الرومي، والذي يعني أنه كان في بداية 1335هـ، رد الردادي بأنه نقل ذلك كما دونه الضابط التركي والذي يعد أقرب القادة إليه في تلك الملحمة.



أسرة ذات حظوة



وبخلاف ما رواه بعض المؤرخين أشار الردادي إلى وجود أسر مدللة لدى فخري باشا، كان لها حظوة لديه لم تتأثر مزارعها حول المدينة، وذكرهم الأديب محمد زيدان ما يؤكد أن التهجير لم يطل جميع الأسر.

الجيش يأكل الجراد وروى الردادي تفاصيل جديدة عن تلك المأساة معتمدا على ما رواه الضابط ناجي كاشف كجمان، أحد المقربين للباشا في كتابه "الدفاع عن المدينة" أو "كيف انفصلت عنا الحجاز"، مؤكدا أن تلك الظروف دفعت حامية المدينة إلى أكل الجراد، وأصدر فخري باشا قرارا قال فيه: لا فرق بين الجراد والعصفور، وكان أكله لسببين: سد حاجة الحامية والقضاء عليه، لأنه أهلك البساتين.



صور المأساة




  1. - نفوق ما يزيد عن 3 آلاف من جياد الجيش بسبب الجوع بعد أن بدأت تأكل التراب.


  2. - لم يبق منها في الأيام الأخيرة إلا 80.


  3. - لم يبق لدى الباشا في الأيام الأخيرة سوى التمر.


  4. - جفت المياه.


  5. - أنشأ الباشا "السرية الزراعية" أسند لها زراعة البساتين.



تكتم عن تسليم المدينة



وأشغل الباشا الجند في أعمال بينها تنظيف الحجرة النبوية خوفا من تسربهم، وأسس "مدرسة اللوازم" لتوفير ما تحتاجه الحامية، واستمر صامدا وباذلا كل ما استطاع حتى جاءه الأمر عام 1918 الموجه لقائد المدينة وقائد عسير حينها من قبل رئيس الوزراء أحمد عزت، بأن الهزيمة لحقت بالدولة العثمانية من قبل الحلفاء، ومن بنود استسلامها أن تسلم حامية الحجاز وعسير واليمن إلى أقرب قيادة من قيادة الحلفاء.

ووقع عليه ذلك الخبر كالصاعقة، ولكنه تكتم عليه ولم يعلنه وعصفت حينها الإنفلونزا بجيشه ولم يكن بالإمكان مكافحتها، ومعدل الموت 150 شخصا يوميا، ولم يجد بدا من إعلان بيان الاستسلام في الخامس من يناير 1319.



تغير الصورة



وأوضح الردادي أنه كان وما يزال من أشد الكارهين للباشا نظير ما سببه من مآس لأهالي المدينة، فمنهم من قتل ومن خرج ولم يعد، مضيفا أن هذه الصورة تغيرت حين قرأ ما كتبه كجمان في مذكراته "كيف انفصلت عنا الحجاز" وكذلك ما كتبه فايز الغضين في كتابه "مذكراتي عن الثورة العربية"، ويرى الردادي أن ظلم الرجل والذي تسبب بأكبر كارثة تهجير جماعي تعرضت لها المدينة، غطى على مظلوميته كقائد لم يستسلم رغم ظروف الحصار والجوع التي عاشتها حاميته.

ورفض الباشا مع كل تلك الظروف إخلاء المدينة وأصدر بيانا بذلك عام 1917، قال فيه إنه لن ينكّس العلم الأحمر على القلعة.

المعاناة زادت أعباء الحياة في المدينة لتفشي الحمى ونفدت الأدوية، وتوفي الكثير من أفراد الجيش وبدأ بعضهم يفر من الخدمة.

وأشار كجمان في مذكراته إلى أن سبب فرارهم كان المعاملة السيئة من الضباط في الجبهات، إضافة لوجود جمعية سرية كانت تحضهم على الفرار، وحكم على أعضاء هذه الجمعية من بعض أهل المدينة بالرمي بالرصاص، إضافة إلى أن ديوان الحرب العرفي أصدر أحكاما غيابية بالقتل على بعض شيوخ القبائل.

وكتب كجمان أن الباشا أصدر أمرا قال فيه "بسبب أحوالي الصحية قمت بتعيين الجنرال نجيب بك وسوف أمضي غدا لبئر درويش، وأرجو المعذرة إن كان صدر مني خطأ بحقكم" وقضى الباشا ليله بترتيب الأوراق وزار المسجد النبوي زيارة الوداع وخرج مع ضباطه وجيشه الذي بلغ ألفا من الجنود و80 من الخيل، ولم يستسلم إلا بعد خمسة شهور من سقوط الدولة العثمانية.

وانتهى الردادي إلى أن الباشا كان ظالما إنسانيا في مأساة أهل المدينة، ومظلوما عسكريا لتجاهل قوته في القيادة والإدارة والولاء لدولته والتخطيط العسكري.