طلال الشريف

لا شيء يذكر

السبت - 21 ديسمبر 2019

Sat - 21 Dec 2019

مضت خمس سنوات على دمج وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، ولا شيء يذكر، ولو تأملنا في أهداف عملية الدمج لوجدناها ردم الفجوة بين مخرجات التعليم العام ومتطلبات مدخلات التعليم العالي، إضافة إلى توحيد الجهود وتحقيق التكامل وكفاءة الإنفاق المالي على قطاع التعليم، أهداف سامية ولكن ذلك غير كاف ما لم نكن قادرين على تحقيقها.

وأجزم أن تجربة خمس سنوات من عملية الدمج كفيلة بالحكم على نجاحها أو فشلها من خلال طرح بعض التساؤلات ذات العلاقة: ما الذي تحقق على مستوى هيكلة الوزارة لصالح قطاعي التعليم العام والعالي؟ وعلى مستوى استقلالية وحرية الجامعات الكاملة؟ وعلى مستوى زيادة فاعلية البحث العلمي؟ وعلى مستوى جودة مخرجات التعليم العام والعالي؟ وعلى مستوى التعاون المتبادل في تصميم وبناء المناهج وتبادل الخبرات البشرية؟ وعلى مستوى معالجة مشكلات الميدان التربوي بحثيا؟ وعلى مستوى تقديم الاستشارات التربوية لقطاع التعليم العام؟ وعلى مستوى تبادل الخبرات بين القطاعين العام والعالي؟ وعلى مستوى إعادة توزيع الموارد البشرية؟ وعلى مستوى الاستفادة من المرافق العامة والمعامل والمختبرات؟ وعلى مستوى الشراكات المجتمعية؟ وعلى مستوى الإبداع والابتكار؟

وبكل وضوح وشفافية ستكون إجابة المعنيين والمستفيدين من خدمات قطاع التعليم والمهتمين والمراقبين: لا شيء يذكر. وحتى هذه الساعة لا توجد خطط استراتيجية مشتركة ومعلنة لتوحيد الجهود وتحقيق التكامل المنشود، ولم تمنح الجامعات الاستقلالية والحرية الكاملة مع صدور نظام الجامعات الجديد الذي منحها الحرية المنضبطة مع وجود مجلس لشؤون الجامعات، فضلا عن مجلس الأمناء والمجالس المختصة الأخرى.

ولا تزال الصورة شبه غامضة أو مشوشة حول برامج إعداد المعلم في كليات التربية، مع استمرار معاناة الجامعات من ضعف مخرجات التعليم العام بدليل استمرارها في تطبيق السنة التحضيرية، واستمرار ضعف ملاءمة مخرجات الجامعات لمتطلبات سوق العمل، بدليل ارتفاع نسب البطالة بين الشباب من الجنسين، وضعف مستوى البحث العلمي، خاصة البحوث التطبيقية، وغياب الشراكات الحقيقية المحلية والدولية، وعدم الشفافية في إعلان مستوى كفاءة الإنفاق قبل وبعد الدمج، وأثرها على مستوى الأداء العام في وظائف قطاع التعليم العام والعالي، وغياب عملية التدوير الوظيفي وإعادة توزيع الموارد البشرية بين قطاعات التعليم، في ظل وجود عجز كبير في الجامعات الناشئة.

كل ما يحدث في ضوء إطار قرار الدمج لا يعدو اجتهادات فردية تتوقف على وعي بعض المسؤولين في القطاعين، وإيمانهم بعملية التكامل، خاصة بين كليات التربية في الجامعات وإدارات التعليم.

والملاحظ أن وزارة التعليم سخرت كل جهودها القيادية الإصلاحية لصالح التعليم العام على حساب التعليم العالي، وهو من جهة أمر حسن وحاجة وطنية ملحة للنهوض بقطاع التعليم العام، والتركيز على قضاياه ومتطلباته ومشروعاته الحيوية، ومن جهة أخرى أمر أضر بالجامعات وأفقدها وجود قيادة متفرغة لمواجهة مشكلاتها وقضاياها المتجذرة وتعزيز توجهاتها نحو استكشاف مزاياها التنافسية والوصول للعالمية، وتفعيل دورها في تحقيق التنمية المستدامة.

وهذا التركيز الملموس للوزارة على قطاع التعليم العام انعكس سلبا على الجامعات، حتى أصبحت علاقة الجامعات بوزارة التعليم لا تتجاوز استقبال التعليمات والتوجيهات العليا والمصادقة على مجالس الجامعات، والموافقة على إقامة الأنشطة العلمية الكبرى، وبعض اللقاءات الدورية التوجيهية أو ورش العمل المحدودة بين معالي وزير التعليم ومديري الجامعات، وهذه العلاقة الضعيفة لن تذهب بالجامعات بعيدا في تحقيق رؤيتنا الوطنية.

اليوم نحن بحاجة إلى فصل التعليم العالي والبحث العلمي عن التعليم العام بوزارتين أخريين، إحداهما للتعليم العالي، وذلك لإنعاش الجامعات وإعادة هيكلتها أكاديميا وإداريا وجغرافيا، بما يكفل تحولها إلى جامعات عالمية المستوى، والأخرى للبحث العلمي للارتقاء بمستوى الجهات البحثية الحكومية والخاصة وتقديم الدعم المادي والمعنوي اللازم للإنتاج البحثي الرصين، ونحن كذلك بحاجة ماسة إلى إيجاد مجلس أو هيئة وطنية تنسيقية لتوحيد الجهود المشتركة بين قطاعات التعليم المختلفة وقطاع البحث العلمي.

@drAlshreefTalal