طارق جابر

الغث والسمين.. القراءة بين السطور في الطب

الخميس - 19 ديسمبر 2019

Thu - 19 Dec 2019

لا أعرف كم دورية ومجلة طبية توجد في العالم، ولكن بلا شك فإن الرقم بالآلاف، وفي السنوات الماضية زاد عددها بإضافة الدوريات الرقمية. مبرر وجود هذه الدوريات هو نشر الدراسات والأبحاث، وإلا فكثير منها سيغلق. وهذه الأبحاث والأوراق العلمية يكتبها أطباء وباحثون منهم من لديه ما يقدمه للعلم والإنسانية ومنهم من يكتب لرغبة في الكتابة والظهور أو كمتطلب للترقية الأكاديمية أو الوظيفية وما إلى ذلك.

في المقابل فالدوريات المرموقة لا تقبل أي ورقة إلا بعد فحص وتمحيص شديدين، ولكن هناك دوريات متواضعة في حاجة إلى أن تنشر بأي وسيلة، فتجد ضالتها في الكاتب الذي هو أيضا محتاج إلى أن ينشر له بأي وسيلة، لينتج عن هذا التوافق المرن نوعية ضعيفة من الأوراق الطبية.

عندما عبرت إلى الضفة الأخرى من بحر الظلمات إلى العالم الجديد طلبا للعلم، كنت منبهرا وحريصا على أن أتابع آخر المستجدات في مجالي، واشتريت كتابا متخصصا اسمه (كيف تقرأ ورقة علمية)، حيث إن قراءة الأبحاث العلمية وتقييمها واستخلاص النقاط منها ليس بالأمر الهين، بل يحتاج إلى كثير من الدراية، ولا يمكنك أن تكتب بحثا قبل أن تعرف كيف تقرأ جيدا أولا.

وسألت معلميّ من أهل الصناعة أن يرشدوني، فكان أول درس تعلمته في تحليل الدراسات أن أفضل شيء تعمله في كثير من الدراسات هو أن تلقي بها جانبا سريعا بدلا من تضييع وقتك في تحليلها لكي تكتشف أنها مضيعة للوقت!

أقول هذا الكلام بعد أن أصبح لا يكاد يمر يوم أو أسبوع إلا ويرسل لي أحد الأصدقاء أو المرضى مقالا أو مقطعا أو خبرا عن بحث هنا أو هناك يبشر بفتح علمي لم نسمع به، أو يحذر من علاج أو إجراء موثوق ومجرب ويطلب مني التعليق أو المشورة، وأجد أحيانا صعوبة في إقناع السائلين أن هذا مجرد كلام فارغ أو أن الأمور لا تؤخذ بالظاهر، وأن الاستنتاج الذي تم التوصل إليه سطحي جدا بحيث إنه أدى إلى عكس المطلوب. كتابات الطب ليست طلاسم، والمعرفة ليست محصورة على كهنة الصنعة، لكن استنباط النتائج وإسقاطها على الممارسة العملية أمر صعب على من ليس له معرفة جيدة من الأطباء، ويتطلب حدا أدنى من القدرة، فما بالك بغير الأطباء.

ما نشهده أحيانا من جدل حول بحث جديد أو دراسة جديدة في الصحف ووسائل التواصل لاجتماعي وتصدي البعض وجرأتهم في الهجوم أو الدفاع بدون علم لأمرٌ عجيب!

الممارسة الطبية تقرر بناء على أبحاث كثيرة، قد يكون بعضها متناقضا أحيانا، مما يتطلب تدقيقا ومراجعة وتقييما للأدلة والنتائج حتى يتم اعتمادها من الهيئات والمرجعيات العلمية، أما صفحات الجرائد فلربما تسهم في إبراز موضوع إلى السطح ووضعه تحت الأضواء وجذب الانتباه إليه، ولكن في نهاية الأمر يبقى (كلام جرايد)، وفي هذا الشأن نسأل طبيبا ولا نسأل مجربا.

drtjteam@