عبدالله المزهر

خذ عقلك معك حين تكبر!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 17 ديسمبر 2019

Tue - 17 Dec 2019

مع أنهم ـ لا أعلم من هم ـ يقولون إنه من الأفضل أن يكون الوالدان على معرفة بأصدقاء الأبناء، ومع من يذهبون ومن هم أولئك الذين يتحدثون معهم ويخالطونهم، إلا أني أعترف أني لا أهتم لهذا الأمر كثيرا، وأصدقاء أبنائي الكبار أعرف أسماءهم لكني لم ألتق أيا منهم حتى الآن. أما أصدقاء أبنائي الأصغر سنا فإني لست مقتنعا حتى الآن أنهم مخلوقات حقيقية.

والكلام هنا عن الأصدقاء الحقيقيين الذين يمكن مشاهدتهم على أرض الواقع ومعرفة كيف يفكرون. لكن حتى وإن حدث هذا فكيف أستطيع معرفة أصدقائهم الوهميين في مواقع التواصل الاجتماعي، والذين قد يكونون أصدقاء مشتركين بيني وبينهم. وقد بدا لي الأمر مرعبا حين عرفت مصادفة أن ابني في المرحلة المتوسطة لديه حسابات على مواقع التواصل. ثم إني تخيلت كم عدد الأطفال في سنه الذين يشاركون بفعالية ويناقشون ويجادلون في السياسة والاقتصاد وعلوم الاجتماع وخطط مدربي كرة القدم وأزمة الاحتباس الحراري والخطط الفعالة لرتق ثقب الأوزون. وكم عدد فلذات أكبادنا في المرحلة المتوسطة الذين يفتون ويحللون ويحرمون في وسائل التواصل.

الأمر الأكثر رعبا كان عندما تخيلت أن ابني وأصدقاءه السيبرانيين يتابعونني في تويتر ويناقشون ويشتمون ويفندون ويتهمون أو حتى يؤيدون آرائي العظيمة والخالدة.

وقد كان أحد أهم المآخذ على وسائل التواصل ـ وهي ميزتها في ذات الوقت ـ أنها أتاحت للجميع دون استثناء أن يكونوا مفكرين وخبراء في كل شيء.

وقد كنت بدأت أتأقلم مع فكرة أنه من حق الجميع أن يكون صاحب رأي حتى وإن كان في الواقع ليس لديه رأي واضح فيما يتعلق بمصروفه الذي يأخذه قبل الذهاب للمدرسة، لكن الأمر بدأ يأخذ منحنى آخر يبدو شديد الخطورة، لم تعد الفكرة تدور حول الرأي فقط، فالرأي يمكن قبوله أو رفضه حتى من العاقل البالغ الراشد ولا حرج. لكن الموضة الآن هي ممارسة دور الحكومات، وتجد أن المغرد يتحدث نيابة عن أمن الدولة وعن المؤسسات الأمنية، ويحاكم ويصدر الأحكام ويصنف الناس بثقة ودون أن يثنيه عن ذلك أنه مجرد أحمق لديه هاتف ذكي.

وعلى أي حال..

حين تجد من يهاجمك بضراوة في تويتر، ويصنفك ويتهمك تهما تودي بك إلى التهلكة ويضعك في قوائم ملونة فإن من حقك أن تخاف، ولكن قد يخفف عنك الخوف والهلع أنه أحد زملاء ابني في المرحلة المتوسطة يعبر عن غضبه لأمور تتعلق بمصروفه اليومي ولم يجد أمامه إلا أنت ليصب عليك جام غضبه. وحين تعلم يقينا أن من يتهمك قد تجاوز المرحلة المتوسطة منذ عقود، فلا تبتئس أيضا، هو الآخر مجرد مراهق طاعن في السن. كبر ونسي عقله أن يكبر.

agrni@