عبدالله المزهر

السعادة المغشوشة!

الاثنين - 16 ديسمبر 2019

Mon - 16 Dec 2019

بدا لي في الفترة الأخيرة أن العالم أكثر هدوءا واستقرارا وأن الحياة أجمل، لم أسمع الكثير من الأخبار المزعجة، ولم يشغلني التفكير في عدد أرقام الضحايا الذين لقوا حتفهم في مكان ما، وقد لاحظت أني أصبحت أنام بعمق وأحلم أحلاما جميلة، صحيح أنها أعمال لا معنى لها ولكنها تعجبني، وميزة أحلام هذه الأيام أنها تستمر حتى نهايتها ودون تداخل في القصص.

بدأت أستمتع بتلك الأحلام لدرجة أني أفكر في إلغاء اشتراكي في «نيتفلكس»، ينقصني فقط مشاهدة بعض مباريات كرة القدم على الهواء مباشرة أثناء نومي وسألقي بالتلفزيون من نافذة المنزل.

وقد حاولت فهم التغير الذي حدث وكيف أصبحت بهذا السلام الروحي والاستقرار النفسي فجأة، وأنا الذي كنت إلى فترة قريبة أخاف من الذهاب إلى الفراش لأني أدرك أن كل الأفكار السوداء مخبأة تحت مخدتي. وأن الأشخاص الذين يزورونني في المنام يبدون كأفراد عصابات أكثر من كونهم شخصيات طيفية تزور النائمين.

قلت ربما لأن الأجواء أصبحت أكثر اعتدالا، وأنا أحب المطر والأجواء الربيعية وقد سمعت أن الطقس الجميل أهم للمزاج من كل المهدئات والمنشطات وأدوات «الكيف» التي عرفها الإنسان، سواء كانت مغشوشة أم أصلية آتية من المصدر مباشرة دون مرور بنقاط الغش المنتشرة على هذا الكوكب.

ولكن مع كثير محبتي للأجواء الجميلة فهي تأتي كل عام، ولا أذكر أنه سبق لي أن عشت مثل الحالة سابقا، ولا بد أن شيئا ما قد اختلف وتغير وجعلني أختلف وأتغير وأشعر بأني أيقونة السعادة البشرية.

ثم إني تذكرت بعد طول تفكير أنه سبق أن جربت شيئا كهذا قبل عدة سنوات حين كنت في رحلة إلى تهامة لم أصطحب فيها هاتفي الذكي، واكتفيت بهاتف غبي صغير يرافقني في تلك الرحلة الميمونة إلى تلك الديار المباركة.

وحين تذكرت تلك الرحلة عرفت سبب السعادة التي اجتاحتني دون سابق إنذار، كل ما في الأمر أيها الناس أني خرجت من كثير من «مجموعات الواتساب»، وكتمت الحاسبات الإخبارية في وسائل التواصل، إضافة إلى أني لم أشاهد في التلفزيون منذ عدة أشهر أي شيء باستثناء مباريات كرة القدم، ولا أعلم ما الذي سيحدث لو خرجت بشكل تام من كل وسائل التواصل ولم أعد أشاهد التلفزيون ولا مباريات كرة القدم. لم أقدم على هذه الخطوة وترك كل شيء لأني أخاف على عقلي أن تصدمه السعادة المبالغ فيها ويتوقف فجأة هو الآخر.

وعلى أي حال..

العالم لم يتغير، كل ما في الأمر أني تجاهلت وجوده، فوجدت السعادة تحت المخدة التي كانت ترعبني، وهذا ينطبق على كثير من الأمور والأشخاص والأحداث، هي وهو وهم موجودون بك وبدونك، أنت تتطفل على الكوكب حين تشغل نفسك بقضايا ليست قضاياك، وتهتم بأحزان مستخدمة لا تخصك، صحيح أن هذه قد تبدو نظرة انهزامية، ولكن من قال لكم بأن الهزيمة ليست لذيذة هي الأخرى!

agrni@