عبدالحليم البراك

العائدون للأضواء

الاثنين - 16 ديسمبر 2019

Mon - 16 Dec 2019

يدخل الأفراد للأضواء نتيجة حظ أو موهبة، ولكن في المجمل بالاثنين معا، (بالمناسبة قد تكون الموهبة هي قلة الحياء مثلا!) ثم يتذوقون لذة فتنة الجماهير فيهم من جهة، ومكاسب الشهرة المختلفة من جهة أخرى، وأعني المكاسب المادية حينا، أو المكاسب المعنوية حينا آخر كالشهرة والوجاهة، والتصدر في المجالس والمناسبات والوسائل الإعلامية، مما يحدث بعد ذلك أن تخبو شهرتهم فتأتيهم شهوة العودة للأضواء.

يعود المشاهير بأنواعهم للأضواء بهدف العودة للمكاسب التي تحققت لهم بالماضي، أو لأنهم يريدون المزيد، ولا يهم كيف يعودون للشهرة والضوء، المهم العودة، ولذلك تجد أن من أبرز سمات العودة للأضواء الإثارة من أجل الإثارة، والإثارة من أجل تحفيز الناس للعودة إليهم؛ ثناء أو شتيمة، هذا لا يهم، بل المهم هو العودة للأضواء، حتى لو عاد للأضواء من كان والغا في الخطأ، ليأتي ويعلم الناس الفضيلة، ومن اختلطت في يديه الآثام ليقول للناس إن فضل الله هنا أو هناك.

وأصحاب الأضواء كثر لكننا نذكر منهم مشاهير السناب شات، فهوس المتابعة والإعلان على رأس الأولويات، فالمهم عدد المتابعين على حساب أي شيء آخر، على حساب استقرار المجتمع، أو على حساب أسرة تتفكك بسبب تبني إعلاناتهم في السفر والجنون.

والرياضيون هم الآخرون لهم نصيب الجنون والهوس، فما إن يترك لهم الحبل على الغارب حتى يعود بعضهم للشهرة عن طريق الشتائم والتقليعات أو ما يخالف العرف وأحيانا الدين، والمهم أن يعود للضوء والواجهة حتى لو كان بدون إعلانات أو متابعين.

والآخرون هم مقدمو البرامج الحوارية المثيرة، فما إن يخرج هذا العام من مشكلة إلا ويدخل بمشكلة أخرى، ومن شخصية مثيرة في اليمين إلى شخصية أكثر إثارة في اليسار الفكري، ومن سؤال مشبوه إلى تلقي إثارة تجعله لا يتوب، ومن شخصية تسخط الناس إلى شخصية يحبها الغوغاء حتى لو كان الخطأ هو رؤيتها السائدة. ومجانين ساسة العالم لهم الشهوة نفسها في الظهور، خاصة في النظم الديموقراطية، والتي ترغب في أن تعود للأضواء من إطلالة الانتخابات الدورية.

والسؤال: ماذا يريد هؤلاء؟

إنهم يحسبونها بالمليمتر مكاسب وأرباحا، فالمشاهير عندما يعودون للأضواء قد يخسرون أناسا، وهذا طبيعي، لأن الإثارة تقتضي ذلك، ومع هذا يكسبون أضعافا مضاعفة مما يخسرون، فبعضهم يكسب متابعين أكثر ثم إعلانات، وآخرون يخسرون من الفريق الآخر بشتائم لا تنتهي، لكنه يكاد يكون رمزا للفريق الحالي، أما أولئك الساسة الديموقراطيون، فإن عينهم على الصوت الهزيل الذي يقودهم للسلطة مقابل العودة للشهرة والأضواء، بل وصل الأمر ببعض المشاهير إلى أن يعلن عما يصنفه المجتمع بأنه رذيلة حتى تم طلبه من الجهات العدلية، ثم يعود ليقدم نصيحة عن رذيلة الرقص!

أخيرا، لن ينجح رهان على المشاهير في خلق الوعي، لأن مكاسبهم تعميهم عن خدمة مجتمعهم، ولن ينجح رهان على السلطة لأن هناك هوامش قانونية ديموقراطية غربية لا يمكن أن تغطيها القوانين، وهي ما نسميها القانون الأخلاقي المجتمعي المتعاقد عليه بين الناس ولا نص فيه، ولن تنجح أصوات الإدانة الخجولة في المجتمع، لن ينجح إلا وعي المجتمع وتجاهل هذه الأصوات وحصرها في غوغائية الناس الذين هم الأدنى والأقل أثرا وتأثيرا، فيموت الباطل بالسكوت عنه وعدم رفع مستواه، ولا عزاء لمجتمع يضرب من أهله بهدف مكاسب مادية أو شهرة أفراد أغرقتهم شهوة الشهرة الغبية!

@Halemalbaarrak