شاهر النهاري

كواليس معارض الكتاب

الاثنين - 16 ديسمبر 2019

Mon - 16 Dec 2019

في طريقي لحضور معرض الكتاب الدولي بجدة لعام 2019، وتوقيع روايتي الجديدة (عودة أهل الكهف) عن دار تكوين للنشر، شجعني ذلك لألعب مع أفكاري لعبة البيلياردو، وأستعرض تاريخ معارض الكتاب الدوارة طوال السنة بين مدن وعواصم عربية، يعتبرها المثقفون فرصة لعرض أعمالهم، ويعتبرها القراء فرصة للحصول على بعض الكتب التي يرغبون في اقتنائها لليالي الشتاء الحميمة.

والسؤال الجذري: هل ستستمر هذه المعارض وإلى متى؟ وهل ما زالت دور النشر تربح؟ فنحن حقيقة لا نملك وسائل إحصاء أكيدة للإثبات أو النفي.

معارض السعودية كانت طوال السنوات الأخيرة من أكثر المعارض مبيعا للكتب، فكنا نرى المتبضعين زرافات ووحدانا، ومع البعض منهم حقائب وعربات تسوق ممتلئة بالأحمال.

بعض دور النشر تبدع في طرق التسويق، وتحزم مجموعات من الكتب بتخفيضات مغرية، تجعل البعض يحمل من الأسفار ما لا يكون قراءتها في خطته، فيرتفع السؤال: ألا يمكن أن يكون ذلك مجرد حب شراء واقتناء، وتكديس في مكتبات شخصية تدل، ولا تدل.

ثم ما هي نسبة الجيد والممتاز أو الأقل تميزا مما يتم بيعه وشراؤه من الكتب؟ وهل قيمتها الثقافية الفعلية مؤكدة؟

في بدايات معارض الكتاب كان المنع سيد الموقف، فما إن يُمنع كتاب إلا ويتشمم زبائنه مكانه، ويتكأكؤون على دار العرض، وكأنهم أمام مخبز تميس صابح، والبائع يخرجه من فرن سحري.

غزو الكتاب الالكتروني مؤثر، والمقتطفات والقصاصات في السوشيال ميديا أحرقت فكرة الندرة، وهي قد تحبب القراء في اقتناء الكتاب، أو تفضح مكنونه، وربما تتركه على رفوف المكتبة، مهما تم قص معدة سعره أو تكميمها.

القارئ العاشق المتمكن يحتاج لمجهر حساس لينتقي الكتاب الطيب من بين لمعة البوسترات على الرفوف، كتاب يعشقه من أول عنوانه، وحتى كلمة الختام، وبقلب لا يعود يندم على شرائه، فبعض الكُتاب يصدرون كتبا ممتازة، والبعض لهم كتب كيفما اتفق، يندر فيها الجيد، ويكثر فيها الرديء والخفيف، والمقلد والمعدل والمسروق من دورات إطلاق المارد، وهنالك المشترك مع مجهولين من المساعدين القابضين والمترجمين، والأمر لا يفرق كثيرا حينما يتم وزن الكتب بالكيلو، طالما أنها حروف متراصة، وسط غلاف جميل، أنيق، بفعل تصاميم التقنية الحديثة، وتوقيع مشهود على المنصة، ربما لا يثبت في المخيلة منها إلا رائحة العطر النسائي، وصورة السيلفي.

سيل من الكتب، والغثاء، يغطي على كل قطرات الديمة النقية، ويجعل من الصعب امتلاك حنين حضن ورائحة الورق الذي افتقدنا لذته بين الشاشات والألوان.

مكتبة الكونجرس الأمريكية تعد من أهم المواقع التي تعمل على جمع الكتب البشرية، لحفظ التراث والمنتوج الإنساني بجميع تنوع ثقافاته ولغاته وعلومه ومعارفه عن الضياع، حتى إنها في حال اندلاع حرب نووية على سطح الأرض تحافظ على محتواها، تحسبا لقدوم مخلوق فضائي بعد زوال البشرية، ليجد التراث في مكان واحد آمن.

والسؤال: أي من كتب معارضنا الحالية يمكن أن يفيد الفضائي؟ وأي منها يستحق أن يفوز بإحدى جوائز النجوم السبع أو الكوكب الإهليجي حينما لا يتدخل فيها الناشر، ولا يجامل المسؤول، ولا تقوم بالترشيح جهة غنية، ومن ثم ترضية المبدعين المنسيين برحلة للثقوب السوداء، وكلمات ترضية لا يحتاج عوار أعمدة خلقها لتليسكوب هابل؟

@Shaheralnahari