طلال الحربي

إيران والبعد الثالث

الاحد - 15 ديسمبر 2019

Sun - 15 Dec 2019

منذ تولي الملالي الحكم فيها بعد طرد الشاه ودخول الخميني بنصره المزيف المخادع وهنالك بعض الفراغات التي تحتاج أن نملأها، والحديث هنا عن إيران القرن العشرين ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وفي أواخر حكم الشاه، فإيران دولة تمتلك من القدرات والإمكانات الكثير، ولا نستطيع أن نتغاضى عن الإرث الحضاري الذي تمتلكه، سواء الفارسي أو في العهد الإسلامي، كذلك هي دولة ممتدة جغرافيا وعندها ملاءة سكانية وتقع في منطقة متنوعة.

إذن ما الذي جعل إيران الدولة الوحيدة في العالم التي ما زالت تعيش أوهاما وأحلاما زائفة؟ لماذا إيران اليوم دولة خارجة عن القانون؟ حتى الكيان الصهيوني يمتلك علاقات سياسية مع كثير من دول العالم، ويمتلك اقتصادا متوازنا وله حلفاء كثر رغم كل الصراعات مع الإنسانية أولا، ومع العرب والمسلمين ثانيا. إيران هي فعليا اليوم الدولة الشاذة الوحيدة في العالم، لا تمتلك حتى أدنى قضية تجعلها تكون خارج الإطار وخارج الزمن وخارج المنطق، حتى حين كانت جنوب أفريقيا دولة شاذة كان هنالك علة التمييز العنصري لديها، وفي كوريا الشمالية الفكر الشيوعي الشمولي والصراعات الإقليمية، أما إيران فلا سبب حقيقيا واضحا ومباشرا يجعلها تكون ما هي عليه اليوم!

إبان حكم الشاه ونظرية شرطي المنطقة بعد انتهاء العصر الاستعماري المباشر، كانت إيران تمتلك علاقات قوية مع معظم دول العالم، ولعل الود والمحبة التي جمعتها مع الكيان الصهيوني والمنظمة اليهودية العالمية، جعلا منها دولة محببة ومقربة من المنظومة الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية. وفي عهد الشاه بكل تأكيد كانت هنالك قواعد دولة مدنية يجري تأسيسها، فلماذا إذن طرد الشاه ودخل الخميني الذي جرت تنشئته وإعداده في دوائر المخابرات الغربية، خاصة الفرنسية منها، وحين دخل دخول الفاتح في نصر كاذب أساسه أن الغرب لم يعد يرى في الشاه وحكمه ونظامه استثمارا مناسبا، ولا سيما أن المنظومة العربية في ذلك العصر بدأت بعمليات البناء والتطوير والاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية.

إذن لا يمكن أن نبتعد عن نظرية المؤامرة كثيرا وننفيها بالمطلق، ونقول إن وجود حكم الشيعة الفارسي في إيران كان أساسه التمهيد لوجود بؤرة صراع وفساد تجعل من منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا على وجه التحديد منطقة قلاقل، وبالتالي لا تتمكن شعوب المنطقة من بناء نهضة حضارية فكرية تقودها إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، وهذا لو تم فعليا فإن كيانا مثل إسرائيل لن يلبث، وسيتلاشى، لذلك وجدنا أن الود والعشق والتواصل الدائم بين إسرائيل وإيران الخميني جعلت من هاتين المنظومتين على درجات عالية من التنسيق والاتفاق، ورغم كل الشعارات الكاذبة عن أن إسرائيل الشيطان الأصغر والموت لليهود، إلا أن أكبر جالية يهودية متمكنة وتمتلك غالبية مؤسسات العالم الإعلامية هي في أصفهان في إيران.

لن نتحدث عن إيران جيت وصفقة السلاح بالوساطة الإسرائيلية إبان الحرب مع العراق، كذلك لن نتطرق إلى أن إيران رغم كل ما تعلن من عداء لم تطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل، حتى مؤخرا حين رغبت إيران في أن تهدد إسرائيل إذا اعتدت عليها، هددتها بحزب الله في لبنان، وهذا كله يقودنا إلى أن الفكر الإيراني لا يمكن أن يكون إلا حلما فارسيا، ويجعل من حكام طهران يعيشون في البعد الثالث المسمى فارس، حتى قادة إسرائيل نفسهم بدؤوا بالحديث عن أن إيران ليست الحليف المثالي، وأن خطرها لا يقل عن خطر المسلمين والعرب على وجودهم.

إيران ومنذ محاولة تسترها وراء شعارات وأيديولوجيات عقدية كالفكر الشيعي، والمقاومة وتصدير الثورات، ما زالت تعيش في عصور الظلام، والشعب الإيراني ضحية فعليا ويعيش كذبة تلو أخرى، وتلك الماكينة الإعلامية التي تقدم إيران على أنها دولة شيعية إنما هي حقيقة سلاح ذو وجهين، وجه خارجي يحافظ على بقاء إيران في خانة الدولة المثيرة للمشاكل والداعمة للفتن والصراعات، ووجه يحكم الداخل بقوة النار والحديد، ويجعل من الشعب الإيراني متخلفا وبعيدا كل البعد عن بوابات المستقبل، وهذا ما تلمسه واكتشفه الشباب الإيراني أخيرا، ومن حيثياته بدأت المظاهرات والرفض والصراع مع نظام المعممين وفكر البعد الثالث.