فهد عبدالله

السلامة وعوائد الاستثمار

الخميس - 12 ديسمبر 2019

Thu - 12 Dec 2019

في مشاهدات وتجارب عديدة متكررة أجد واقعيا أن كثيرا من المديرين والقيادات في بيئة العمل المهنية يقتصر اعتقادهم تجاه السلامة وما يتبع لها في أفضل الأحوال على أنها مجرد إجراءات وأنظمة ضامنة بعد حفظ الله للإنسان أو الممتلكات من التلف فقط، ولا تصب بشكل مباشر في عوائد الاستثمار للمنظمة أو الشركة التي ينتمي إليها.

وجود هذا التصور غير المرئي حقيقة يفسر كثيرا ماهية الأجوبة عن سؤال: لماذا المسؤول أيا كان دوره الوظيفي يكون اهتمامه بموضوع السلامة مجرد اهتمام يقع في خانة الاستجابة للمتطلبات وما تنص عليه اللوائح، أكثر من أنها مسؤولية إنسانية واستثمارية أيضا تساعد الشركة على الاستدامة في جني الأرباح وتقليل هوامش الخسارة؟

من خلال البحث في كثير من المنظمات العالمية التي تشرع وتثير الوعي في جانب السلامة، تشير دائما إلى أن المؤسسات التي تستثمر في الصحة والسلامة المهنية تتمتع بعائد على الاستثمار (ROI)، سواء ذلك كان من خلال المقارنات بين المؤسسات أو من خلال مقارنة المؤسسة بنفسها سابقا عندما لم يكن هناك استثمار في جانب السلامة.

عند انخفاض مؤشرات الحوادث سيصب ذلك مباشرة في تقليل النفقات المتعلقة بالرعاية الطبية، والإجازات المدفوعة الأجر، وكذلك التعويضات التي تنتج عنها فضلا عن حالات التقاضي وما يتبعها، وكل ذلك يدور في فلك التكاليف التي ستقل لو كان هناك استثمار جيد في جانب السلامة، فضلا عن زيادة الكفاءة التشغيلية التي حتما ستزيد من الإيرادات على المدى القصير، واستدامة تشغيلية حكيمة على المدى البعيد، علاوة على أن عدم الامتثال للوائح والقوانين والمواصفات سيكلف المنظمة أموالا طائلة في جانب المخالفات والصورة النمطية السلبية التي ستتكون مع الزمن لدى المراجعين والمدققين حول الإهمال وعدم الامتثال.

وبصورة غير مباشرة قد يصعب تقديرها ماليا والتي قد تكون بين أربعة وعشرة أضعاف التكاليف المباشرة، وهي الصورة العامة أو بما يعرف بالسمعة المؤسسية التي قد تصرف المؤسسة وأصحاب العمل فيها أموالا طائلة لصيانتها وبمجرد وقوع حادث كارثي قد يحدث شرخا في تلك الصورة، ويبقى أثره يتردد بين الموظفين أنفسهم فضلا عن العملاء وبقية مكونات المجتمع، وأيضا بصورة غير مباشرة تحسين رضا الموظفين من خلال توفير أماكن عمل آمنة ومريحة تزيد من الولاء للمؤسسة والتفاني في العمل والإنجاز، فضلا عن الزيادة في مبالغ التأمين وفقدان الإنتاجية والأوقات المتعلقة بها.

وفقا لإحصائية المجلس القومي للسلامة بالولايات المتحدة الأمريكية وتقديرات (Injury Facts) فإنه عام 2016 كلفت الإصابات والوفيات في مكان العمل الاقتصاد الأمريكي 151.1 مليار دولار، وهناك نقاشات وإسهامات متقدمة لدى المختصين في مجال السلامة تتحدث حول ماهية حساب مثل هذه التكاليف التي تنتج عنها الإصابة، وأنها قد تختلف من منظمة إلى أخرى.

ومن الممارسات الإيجابية في هذا الجانب أن يجتمع مختصو السلامة داخل المنظمة مع ممثلين من أقسام المشتريات والمحاسبة، وإجراء تحليلات عميقة لتحديد التكلفة الفردية المرتبطة بالإصابة، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، ومن ثم عمل قائمة بهذه الإصابات كمواصفة من خلالها يمكن معرفة التكاليف الشهرية والسنوية التي جرى إنفاقها على الإصابات أو يمكن توفيرها. وبذلك يكون هناك مؤشر مالي شبه دقيق يساعد المختصين وأصحاب القرار على النظر إلى السلامة من خلال المنظور المالي، ويمكن تحديث هذه المواصفة سنويا تبعا لاختلاف قيمة العملة أو مقدار التضخم أو تحديث العوامل المباشرة وغير المباشرة.

بعض الشركات أنشأت تطبيقات تقنية لحساب التكاليف المباشرة وغير المباشرة أوتوماتيكيا، من خلال الخوارزميات التي أسست بناء على التحليلات العميقة التي تمت سابقا لتكاليف الحوادث لديها.

السؤال الذي يراودني هنا: هل توجد في بيئة الأعمال المهنية في الشركات والمؤسسات المحلية قوائم بهذه التكاليف؟ وهل هناك إجراءات واضحة في كيفية حسابها وتحديثها وإصدارها؟ وهل هناك ربط واضح بين السلامة والعوائد من الاستثمار لدى صاحب القرار؟ أرجو ذلك.

fahdabdullahz@