عبدالله المزهر

حقوق الإنسان الذي «يدربي» رأسه!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 11 ديسمبر 2019

Wed - 11 Dec 2019

من حقك أن تتغير كل يوم، وأن تسلك طريقا ثم تبحث عن آخر، ومن حقك أيضا ألا تسلك أي طريق على الإطلاق، لك رؤيتك الخاصة ـ أو المستعارة ـ في الناس وفي الحياة، أن تحب القهوة ثم تكتشف أن الشاهي أكثر نفعا، أن تكون مغرما بالشاهي ثم تكتشف أنه لا يلائمك. أن تكره اللون الأحمر ثم تصبح مغرما به فجأة، أن تتلذذ بشرب الماء الحار، أن تنام على الأرض، أو على سرير ارتفاعه عشرة أمتار، أن تكره الأغنيات، أن تعادي الموسيقى، ومن حقك أن تسمع أغنية حتى وأنت تموت، وأن تعتبر الموسيقى أهم من الغذاء والدواء والمأوى والملبس، أن تعتقد أن القصائد أهم من الكلام أو أن تظن أن الشعر والفن والأدب ليست سوى «كلام فارغ»، من حقك أخي الكريم أن تسير في أي اتجاه، أن تتأكد من وجهتك قبل أن تنطلق أو أن تسير على غير هدى، أن تجدف مع الأمواج وتركب أي موجة تظن أنها ستنتهي بك إلى بر الأمان، من حقك أن تعشق اليابسة ولا تبارح مكانك أو أن تركب السفينة أو أن تقفز من السفينة بعد أن تمخر عباب البحر، ومن حقك ألا تركبها أصلا.

من حقك أن تخاف من الأشياء التي تخيفك، أو التي قالوا لك إنها تخيفك، وأن تحب الأشياء التي تحبها أو التي تظن أنك تحبها، وأن تكره الأشياء التي تكرهها، أو التي قيل لك إنك لا بد أن تكرهها.

من حقك أن تلبس ما تحب وتأكل ما تحب، من حقك أن تفكر وأن تترك عقلك في المنزل حين تخرج، من حقك أن تغير من هندامك وأن تغير قصة شعرك أو أن تتمنى أن تكون أصلع تشاهد صلعته من الفضاء الخارجي.

تفاصيل صغيرة كثيرة في حياتك، يحق لك أن تقترفها، وأن تؤمن بها وتحبها وتتلذذ وأنت تعيشها، سواء كانت عن قناعة شخصية أو لأنك لا تجد الوقت الكافي لتكوين قناعاتك الخاصة وتحب أن تحب الرائج، أن تؤمن بما يؤمن به الآخرون. تخيل أيها الأخ الإنسان شريك هذا الكوكب أن من حقك ألا يكون لك قناعات وآراء خاصة، إنه حق أصيل لك أن «تدربي رأسك» بنفسك أو أن تستمتع بجعله كرة يتقاذفها الآخرون.

ثم أما بعد:

أنا لا أريد أن أتغير، وليس من حقك أن تسفه ما أحب وما أكره والطريقة التي لا أعيش بها لمجرد أنها ليست طريقتك، ليس من حقك أن تعتقد أنك في المقدمة وأني في الخلف، لمجرد أني لا أحب الطريقة التي تفضلها لاستهلاك أيام العمر، أو لأني لا أحب ألوانك المفضلة ولا طريقتك في النوم، لا أحب طريقتك في اللبس، أو لأنها لا تستهويني الكتب التي تقرأ، أو لأني لا أحب الأغاني التي تحب أو حتى لأني أعتبر صوت المنشار أكثر عذوبة من الموسيقى. من حقك ألا تحبني، لكن تذكر أنه ليس من حقك أن تعتبرني عدوك لأني لست نسخة منك أو لأني لا أستلطف فكرة أن أدربي رأسي مع رأسك.

agrni@