ياسر عمر سندي

لا تعرض ممتلكاتك للبيع

الأربعاء - 11 ديسمبر 2019

Wed - 11 Dec 2019

من البدهي والمسلم به أن يتعرض الإنسان في حياته إلى بعض التقلبات والتحولات والصولات والجولات وأنواع من الظروف والصنوف من المنغصات، والتي تتدخل بطريقة مباشرة وغير مباشرة في تغيير مسار حياته، بل وتحدد بموجبها طريقة تفكيره ونظرته، سواء تجاه نفسه أو تجاه غيره، وتعد مؤثرات بيئية مثل الظروف الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية والعملية، فإما أنها تأتي على الإنسان جملة واحدة وتصيبه بشيء من التأرجح والاهتزاز في بادئ الأمر، وربما تكتسيه الخبرة والتراكم المعرفي في النهاية، أو أنها تأتي تباعا كظرف اجتماعي ويليه طارئ اقتصادي وبعد فترة من الزمن يتبعه العملي، وهكذا في كل مرحلة من مراحل حياته، أو أنها قد تأتي متفرقة وتصادف وضعه وحالته الخاصة وتلازمه طوال عمره. وفي المجمل فإن الإنسان يكابد في حياته ويتعايش مع واحدة من الثلاث الحالات السابقة.

وأجمل ما رزق الوهاب من نعم لبني البشر أن أكرمهم منذ ولادتهم بنقاء تام في السر والسريرة، ونزعة طاهرة سليمة تشكلت من نفخة روح البديع المصور، فالنفس البشرية فطرها الله عز وجل وسواها على امتلاك كل جميل والتنازل عن كل قبيح، وتلقي الخير والإحسان والانعزال عن الشر قدر الإمكان، إلى أن يأتي من يشوهها ويعبث في تكوينها وخاصيتها الأساسية وهي الجمال الروحي.

وفي جميع الأحوال تتأثر الشخصيات البشرية بعاملين مهمين، الأول عامل القسوة والجلادة لمن يمارس الضغط عليها ويجبرها قسرا على التماشي بموجب الظروف التي تعتريها، أو عامل الحنو والسعادة لمن يتواءم معها ويسايرها حبا ليساهم في إنعاشها وإضفاء البهجة والسرور عليها، بسلوكيات داعمة ومساندة ترفع من معنويات الشخصية وتعيد توازنها. والعاملان السلبي والإيجابي يشكلان نقطة التحول لدى الإنسان ويجعلانه يخطئ ويزل أو يقوى ويظل.

ومن وجهة نظري السلوكية والمعرفية أرى أن الأخلاق من الأصول العظيمة والممتلكات التي لها القيمة. يستطيع أن يستحوذ عليها الإنسان بطريقتين، إما بالتوريث الجيني أو الاكتساب البيئي، فهي تعد من أغلى وأنفس الكنوز الجديرة بأن يحافظ عليها الفرد من خلال مكتسباته الفطرية النقية منذ بدء ولادته وصولا لمراحل نموه وتناميه إلى نهاية عمره، وهي سلوكيات حسن الخلاق والتحلي به والمحافظة عليه، وكما أسلفت فقد يتعرض هذا المخلوق البشري لبعض الحيرة والشتات النفسي والاجتماعي الذي يغضبه تارة ويفرحه تارة أخرى، ويحزنه في مرة ويسعده مرات، وفي خضم هذا التلاطم قد يفقد الإنسان ثروته وأثمن ما يملك من أخلاقه وقيمته في المجتمع، وذلك إما باللجوء إلى المحرم شرعا أو المنكر عرفا وهذا هو بيت القصيد.

فخزينة الإنسان الأخلاقية دوما عامرة بجواهر وحُلي نادرة، وهي في الأصل موجودة ومقفل عليها بإحكام في العقل والنفس، يتباهى بها الإنسان ويعتز بامتلاكها ويكافئه عليها المنان بدخول أعلى الجنان بصحبة النبي العدنان، فالحذر ممن يأتي ويساوم بشرائها بأغلى الأثمان أو يبخسها حقها بأقل الأوزان، والذي يمتلك القرار في الاحتفاظ بها أو بيعها أو عرضها في مزاد علني هو أنت.

إذا افترضنا مجازا أن الحياة أصبحت كالسوق التجاري، وأن الأخلاق تسري عليها قوانين العرض والطلب، وأن هنالك كثيرا من التجار ممن يرغب في البيع والشراء فإنهم حتما سيبحثون عن كل تاجر مفلس وبضاعة رخيصة. ففي هذه الحال احتفظ بأملاكك ولا تعرضها للبيع، بل ادخرها واستثمرها وساهم في زيادتها، وساعد ذوي الأملاك من حولك كأسرتك وأصدقائك وشاركهم في تنميتها، وترفع عن كل عابر ممن يرغب في كساد وفساد ما لديك. فلا أحد يعرف قيمة الممتلكات إلا أصحاب الثروات.

@Yos123Omar