عبدالله المزهر

مأساة الإنسان الذي مع نفسه!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 10 ديسمبر 2019

Tue - 10 Dec 2019

يقف في نفس المكان وعلى ذات الناصية مذ عرف الكلام، ومنذ أن عرف أن له رأيا في الناس والأشياء والحياة ثم فكر في التعبير عنه. وهو في ذات المكان رأى أناسا من أقصى اليمين يكيلون له التهم أشكالا وألوانا، يصنفونه ويعلبونه، فتارة مع الزنادقة وتارة ليبرالي تحرري فاسق يريد هدم عرى الإسلام. يتحمس بعضهم قليلا ويدخله باب الكفر والردة.

وتمر الأيام ـ التي لا يبقى على حال لها شأن ـ ويسكت أولئك أو يخفت صوتهم حتى لا يكاد يسمع، وهو واقف في مكانه يعبر عن رأيه في الناس والأشياء والحياة بذات الطريقة، وقبل أن ينعم بالهدوء أتاه من أقصى اليسار أمم تسعى، يحملون له تصنيفات جديدة وتهما جديدة، والتهمة الأسهل التي يستخدمها المستجدون في هذا الفريق هي تهمة «الأخونة» ويخففها بعضهم فيقول إنه صاحب نفس إخواني، أي إنه ليس من الإخوان ولكنه يكاد أن يكون كذلك، والبعض يتحمس قليلا حتى يكاد يصنفه مع أبي بكر البغدادي في ذات الفريق. أما تصنيفه بأنه من «رجيع الصحوة» فإنها تهمة آلية يمكن استخدامها بسهولة مع أي أحد حتى ولو لم يكن متدينا، يكفي أن تستدل على رأيك بشيء من القرآن أو السنة حتى يتم تصنيفك بأنك صحوي تكره الحياة وتعيش في الماضي مع الإرث المتخلف الذي يعادي الحياة لأنك مؤمن أنه لا يوجد طبعة ثانية منقحة من القرآن يمكن أن تعتمدها كمرجع.

الأمر الذي يشعره بالاطمئنان قليلا هو أن الفريقين لا يهاجمان ناصيته سويا، يستريح فريق ويهاجم آخر. والأمر الأكثر طمأنينة هو أنه لم يعد يكترث كثيرا مذ عرف أن «القطيع» لا عقل له، وأن عقلية القطيع مرفوع عنها القلم.

صحيح أن النجاة في هذا العصر تكون باللجوء للقطيع، يهرب معه ويهاجم معه، وأن الأمثال تحثه حين يترك القطيع أن يكون ذئبا حتى لا تأكله الذئاب، وأنه لا بد أن يكون من هؤلاء حتى يثبت أنه ليس من أولئك، لكنه فيما يبدو لم يستسغ فكرة أن يكون حيوانا من أي نوع. ويصر على أن يكون إنسانا يؤمن أن المبادئ أشياء تشبه البصمة والـ DNA لا يمكن تغييرها لتوافق الموضة ولتواكب السائد حتى وإن أراد.

وعلى أي حال..

هو ليس وحيدا ولكنه ليس مع أحد، هو يشبه الكثير من الناس الذين لا زالوا يعانون من مرض «التفكير»، ويؤلمهم الوعي ويتمنون لو أنهم آمنوا بما آمن به «الناس الثانين» أيا كانوا، ويتمنى لو أنه كان خفيفا كنسمة، ينتقل من أقصى إلى أقصى دون أن يحمل هم الطريق ولا شماتة السالكين. أنا أتعاطف معه، وهذا لا يعني أني أعني أحدا بعينه، حتى وإن بدا أني أفعل.

agrni@