جبريل العريشي

أخلاقيات المعلومات المستدامة

الاحد - 08 ديسمبر 2019

Sun - 08 Dec 2019

الاستدامة في الأساس مفهوم أخلاقي، فهي تمثل الضرورة الأخلاقية لتحقيق الإنصاف، وتكافؤ الفرص بين من ينتمون لهذا الجيل بعضهم ببعض، وكذلك بين هذا الجيل والأجيال القادمة.

ويعد التعليم إحدى أهم أدوات التوجيه في الانتقال نحو مجتمع مستدام، فمن خلاله يمكن تكريس مفهوم التنمية المستدامة في أذهان الطلاب، بحيث يصبح من الممكن لهم أن يتحركوا - بعد التخرج - نحو ممارسة مهنية أكثر استدامة، وينبغي أن يسير هذا التوجه جنبا إلى جنب مع دمج مفهوم التنمية المستدامة في كل البرامج التعليمية لكل العلوم، بما فيها علم المعلومات، بحيث لا تستهدف فقط تحقيق الفوائد قصيرة الأجل للطلاب أو للمؤسسات التعليمية أو للمنظمات التي يعمل فيها الطلاب بعد تخرجهم فحسب، وإنما تستهدف أيضا تحقيق الفوائد طويلة الأجل، ونعني بها الفوائد التي تتمتع بها الأجيال المستقبلية، وهو جوهر مفهوم الاستدامة.

ويدفعنا الطرح السابق إلى معاودة التفكير في الجانب الأخلاقي لعلم المعلومات. فأخلاقيات المعلومات هي فرع الأخلاقيات الذي يركز على العلاقة بين إنشاء المعلومات وتنظيمها ونشرها واستخدامها من جانب، وبين المعايير والمدونات الأخلاقية التي تحكم السلوك البشري في المجتمع من جانب آخر، وهو فرع متنوع ومعقد، نادرا ما يعطى مساحة ذات بال في البرامج التعليمية لعلم المعلومات، وذلك على الرغم من أن مدونة الأخلاق تعد - تقليديا - واحدة من السمات الأساسية لأي مهنة، بحيث إن تعليم الأخلاق المهنية قد أصبح أمرا ضروريا من أجل اكتساب المهنة شرعيتها الكاملة.

فإذا نظرنا إلى المعلومات المستدامة، وهي تلك المعلومات اللازمة لدعم الجوانب الثلاثة لنهج التنمية المستدامة: التنمية الاقتصادية، والتنمية الاجتماعية، وحماية البيئة، فإن دمجها مع التنمية المستدامة أمر لا مفر منه. ومن ثم ينبغي اعتبارها كأحد جوانب أخلاقيات المعلومات، وذلك في البرامج التعليمية لعلم المعلومات، حيث يمكن حينئذ أن تعمل بشكل مثالي على غرس قيمة الاستدامة في أذهان الطلاب - الذين سيعملون كأخصائيي معلومات في مؤسسات الدولة في غضون سنوات قليلة - كبعد أخلاقي، وهو ما يعني، مرة ثانية، تلبية احتياجات الحاضر المعلوماتية دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتهم المعلوماتية أيضا.

فإذا فشلت البيئة الأكاديمية في تأكيد مفهوم الاستدامة كأحد أخلاقيات المعلومات الضرورية لتحقيق التنمية المستدامة، فكيف يمكن للمجتمع أن يتوقع من الخريجين احترام مثل هذه المعايير في حياتهم المهنية؟

لذا، نزعم أن مجال علم المعلومات قادر على أن يكون أكثر نجاحا في تثقيف أخصائي المعلومات من أجل التنمية المستدامة، وذلك إذا وضعت برامجه التعليمية في الاعتبار تخصيص مساحة معتبرة لمنظومة أخلاقيات المعلومات، وإذا اعتبرت في الوقت نفسه أن المعلومات المستدامة جزء رئيس من هذه المنظومة.