فيصل الشمري

الاحتجاجات العراقية

الجمعة - 06 ديسمبر 2019

Fri - 06 Dec 2019

إضافة إلى الاحتجاجات المستمرة في العراق ولبنان انضم لها الشارع الإيراني. في الحالات الثلاث، تشترك هذه الدول في قضية مشتركة، وهي في الأصل عبارة عن مظالم اقتصادية واجتماعية موجهة ضد النخبة السياسية. كما أن لبنان في أزمة مالية يمكن أن تهدد هياكل نظام الحكم داخل الدولة القومية، في العراق كان الفساد مدفوعا بشعور أكثر تعقيدا بين العديد من الناس بأن الشعب قد بدل الاحتلال الأمريكي باحتلال آخر. كما يشاطر المحتجون الإيرانيون الآن مخاوف الفساد مع عديد من الطبقات هنالك، شبه إجماع من استياء دائم من الطبقة الحاكمة.

إن سلطة النظام الديني داخل إيران تواجه تحديات من وقت إلى آخر من جانب القوى المحلية، ولكن الكتل التأسيسية التي تستند إليها النخبة السياسية داخل البلاد والتي استخدمت كأساس للسلطة لا تزال ثابتة. في حالة العراق ولبنان، فإن محاولة إيران ممارسة سيطرة حاسمة تشكل تحديا لها. وترغب طهران في السيطرة على بغداد بشكل يشبه رؤية روسيا لأوكرانيا. ومع الحليف الاستراتيجي لسوريا، تدار لبنان كمستعمرة. فمصالح الاثنين تُخدم أولا في بيروت. فامتيازهما أساسي والشعب اللبناني ثانوي، إذن التحدي الذي يواجه طهران في جوهره هو احتلالها وسلطتها الحاكمة على لبنان والعراق من قبل مواطني البلدين.

العراق لديه ربع سكان إيران، لكنه يتفوق عليها بكثير في مبيعات النفط. ومع ذلك، فإن العوامل الأساسية للحياة في المناطق الحضرية والريفية على السواء هي سمات للفقر والتفسخ وضعف البنية التحتية. فقد نهبت ثروة العراق وأودعتها في حسابات مصرفية أجنبية. ولم تعد الأموال التي تولدها مبيعات النفط إلى المواطن العراقي. إن النموذج السياسي يتسم بعدم الكفاءة، مثله في ذلك كمثل لبنان، ولا بد من إعادة تشكيله، وليس إعادة هيكلته. فالدولة العراقية، شأنها شأن الدولة اللبنانية، ليست الجهة الوحيدة المسؤولة عن الأسلحة، كما أن الطابع الممزق للمجتمع في بيروت سمح لإيران بالدخول واستغلال التوترات المحلية وبناء جهاز هائل داخل الحكومة إلى حيث يكون فصيلها في غاية الأهمية. ومن خلال شبكة أصولها داخل الدولة العراقية وميليشياتها بالوكالة تشكل بغداد مركز ثقل استعراض طهران للقوة في مختلف أنحاء المنطقة.

وفي هذا السياق برزت الاحتجاجات العراقية. فالمحتجون ليسوا طائفيين في طبيعتهم، والغالبية العظمى منهم شباب الشيعة. وعلاوة على ذلك، يحتجون الآن على حكومة شيعية، حيث قد يؤدي التفكير التقليدي إلى استنتاج بما أنها حكومة شيعية سوف يدعمها الشيعة بعد سنوات من حكم البعث، لكن مظاهرات العراق تخطت الحاجز الطائفي إلى ما هو أكبر من ذلك، إلى رفض الوصاية الإيرانية.

ومؤخرا أعلن السيستاني علنا أن كل القوى الأجنبية واجب عليها مغادرة العراق، على حد تعبيره، أجانب «قريبين» و»بعيدين». وهذا أمر مهم ولكن العنصر الأكثر أهمية هو أن المواطنين العراقيين يقولون ذلك أيضا. ويقول العراقيون إن لديهم ما يكفي من المشاكل. والواقع أن الأحداث الجارية داخل العراق تشبه إلى حد مخيف بدايات الانتفاضات الأولى ضد نظام الأسد في سوريا، والتي قوبلت بحملة قتل من قبل قاسم سليماني والحرس الثوري. وكان سلماني هو الذي اعترف بأن الأسد ضعيف أمام المحتجين، وبدأ سليماني والحرس الثوري في قتل المدنيين. وهذا ما يحدث في العراق في الوقت الراهن. ولسوف يكون لزاما على المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران خامينئي وسليماني أن يرسلا الرسالة نفسها إلى المحتجين داخل إيران من خلال تقديم أمثلة القتل في لبنان والعراق.

وفي لبنان لا يستطيع حزب الله أن يطلق النار على المحتجين على العلن، بل إن هذا من شأنه أن يخسروا لبنان أمام الشعب اللبناني. ولا يستطيع سليماني أن يطلق النار على الإيرانيين داخل إيران، وذلك لأن النظام سوف يخسر الشعب هناك أيضا. لكن في العراق يمكنهم القيام بذلك. وفي لبنان والعراق وإيران، فإن الشباب الشيعي هم المحتجون وهم العامل المشترك.

ولا يرغب السنة والأكراد في الدخول في هذه اللحظة لأنهم في الماضي عندما حاولوا الاحتجاج كانوا قد قوبلوا بعقاب عنيف من الميليشيات التابعة لإيران. وكان الاثنان قد احتجا في وقت سابق ضد الأحزاب السياسية الشيعية نفسها داخل بغداد وعلاقتها بطهران التي تسمح بالسيطرة الإيرانية على العراق. وقد قوبلت جهودهم أيضا بالقوة المميتة، ومن الممكن أن يكون في صف الشعب بالإصغاء إليهم بدلا من الاستماع للنخبة السياسية في بغداد. لم تنجح الأحزاب السياسية الشيعية داخل البرلمان العراقي إلا بالكاد في الفوز بالأغلبية في الانتخابات الأخيرة، حيث لم يتجاوز عدد الناخبين العراقيين 35%.

المطلوب تغطية سوء إدارة الاقتصاد، وفساد النخبة السياسية، والاحتجاجات نفسها، والحرمان الجماعي من الحقوق، والعنف الوحشي الذي تمارسه إيران، والبلطجية الذين يرتبطون مباشرة بقاسم سليماني، والوصاية بالوكالة ضد المتظاهرين العرب المسالمين. لا نريد ردا عسكريا، ولا عقوبات مستهدفة، ولكن التغطية الإعلامية الغربية مطلوبة. هناك فرصة للعالم أجمع لكي يكون العراق على حق. المحتجون يموتون في الظلام، بل والأسوأ من هذا أن التغطية الإعلامية لمحنتهم ضئيلة.

@mr_alshammeri