شاهر النهاري

الإعلام البصير

الأربعاء - 04 ديسمبر 2019

Wed - 04 Dec 2019

ولربما كنا في عالمنا العربي نسمي الأشياء بغير حقيقتها، فنسمي الأعمى بصيرا، حتى نرفع من معنوياته، وندفعه ليكون من أهل الهمم، وربما نسيء إلى المبصر الواضح الرؤية، فننعته بأنه أعور، أو ضرير.

أقول قولي هذا بعد حضور أعمال منتدى الإعلام العربي الذي عقد في مدينة الرياض، عاصمة النور، في هذا الجزء من العالم المتطلع للرؤية.

مهرجان عظيم، وتجمع لمثقفي وإعلاميي السعودية والعالم العربي، والأجنبي، في يومين أشبه بالخيال أناقة وتكاملا وترتيبا، ومحتوى أنسانا سنوات من شح اللقاءات المضيئة المثمرة.

فعاليات إعلامية متعددة، لكثير من الإعلاميين، وأنا لا أريد أن أستعرض تفاصيل ما قيل، لأن ذلك يقع تحت مفهوم الإعلام الخبري، ولكني أريد أن ألخص بعض ما توارد إلى ذهني أثناء حضوري، من صور منفتحة ناهضة، ومن تحولات إعلامية عما عشناه في تاريخ عالمنا العربي، بهيمنة الإذاعة الأقرب للبوق الساخط، والقناة الواحدة، والصحيفة الرسمية، والرزانة الحريصة على الكلمة، والهروب للقنوات الأجنبية لاستقاء الحقائق، وكل ذلك قبل أن نصل عالم الإعلام الجديد المدهش، الذي نعيش مجرياته بواقعنا الحالي تحت سطوة الانترنت وشفافيتها واختراقاتها، ومحاولات قنوات الإعلام الرسمية والأمن السيبراني في عدد من الدول التدخل، وإعادة تدوير قوالب الواقع المراد، أكثر من تمكين الملموس المعاش.

نعم تطور الإعلام العربي كثيرا، بنشوء طرق جديدة فرضت وجودها بيننا، بجدتها وجودتها، وبكل ما فيها من هشاشة، ولكن الزمن والعقل العربي كفيلان بأن ينتخبا منها القيمة والجمالية والكيفية، نزولا عند أمور عديدة، أهمها التوجهات الاجتماعية والسياسية والثقافية، والأيديولوجية والإعلامية في البلدان المهتمة بالتغيير الذاتي.

نعم هنالك إعلام بصير، وهنالك إعلام أعور، وهنالك إعلام أعمى، ومن يطلق تلك التسميات ليس إلا مشاعر ومدارك الشعوب العربية التي تسعد بما يتواجد في حياتها من الجديد المفيد الشفاف، وتكتشف أيضا وجود الخلل، وتسعى لمعالجته وهو في طور البدايات، وحتى لا تتكرر الخيبات، وتندب حظها وتتباكى على تكرار مآسي الإعلام القديمة التي ألهبتنا قبل أن يثبت فشلها.

مشكلة أي إعلام تنحصر في الشفافية من عدمها، أو بتراكم نسب التعتيم الجلي، أو تقليص مساحات الحرية.

والحرية المطلوبة والمفيدة لا أقصد بها تخطي الحدود في الشؤون الأصيلة الثابتة، ولكن بلوغ عقلانية القول من خلال توسيع هوامش الحرية، وعدم التخوين، حتى يواصل الإعلام الأصيل خطواته من خلال المصداقية.

الإعلام قليل الحرية يصبح مسألة تندر شعبي، وصورة للهزال الفكري، ودافعا للشباب والمفكرين للخروج عن المعقول عند التعبير عما يشعرون.

نعم، لا يوجد حرية فكر مطلقة عالميا، إلا فيما ندر من الدول، التي ارتقت فوق سقوف التشكيك، وأصبحت عند سماع النقد من مفكر أو من متابعي مواقع التواصل لا تبلغ درجات الرعب، واتخاذ الرد العنيف والتضخيم، بل تحاول أن تستخدم هذا النقد لتحسين ذاتها، بأمل أن تكون أفضل مستقبلا، ولصالح إعلامها الرسمي، وذلك بتبني الحوار ونشر سعة الأفق كركيزتين لبقائها.

الإعلام المفيد النقي هو الثمرة الشهية التي تتناولها الشعوب بلذة وسعادة وارتياح، وهي تعلم أنها تحيط ببذرة الإبداع المثمر الحر، مهما كان طعمها سيئا أو غير مستساغ.

أهنئ وزير الإعلام الأستاذ تركي الشبانة، وأهنئ كل من تم تكريمهم، ولنا تطلع مبصر في رؤية القادم.

@Shaheralnahari