طلال الشريف

قانون وطني لتجريم التعصب الرياضي

الجمعة - 29 نوفمبر 2019

Fri - 29 Nov 2019

يقول الرئيس الأمريكي (جيرالد فورد) نصر رياضي بإمكانه خدمة أمة أكثر من نصر عسكري، ونحن نعاني اليوم في مجتمعنا السعودي من شيوع ظاهرة التعصب الرياضي بشكل غير مسبوق، وهي ظاهرة خطيرة ومشكلة تهدد حياة الفرد والنسيج والتماسك الاجتماعي وتعوق مجتمعنا عن أداء وظائفه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، ما لم يتم التعامل مع أسبابها ومعالجتها علميا وتربويا وإعلاميا.

والرياضة يجب أن تبقى نشاطا تنمويا واجتماعيا ترفيهيا وصحيا، بعيدا عن التعصب، ووسيلة تنافسية للارتقاء بقيم المحبة والسلام والتنافس الشريف والروح الرياضية. والحقيقة أن الرياضة تعد رافدا مهما من روافد الاقتصاد الوطني من خلال جذبها للاستثمارات المحلية والعالمية الكبرى لرعاية الأندية والمنتخبات واللاعبين، فضلا عن تنافس الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب في صوره المعاصرة لكسب المتابعين الرياضيين، ولها فوائد عظيمة في حماية الشباب، خاصة من مستنقعات الجرائم والجنوح والانحراف.

والتعصب الرياضي يعني عدم تقبل الخسارة الرياضية والغرور والكبرياء والكراهية للمنافسين وعدم احترامهم والتقليل من إنجازاتهم، وله مكونات معرفية وانفعالية وسلوكية مثل سائر الاتجاهات النفسية باعتباره اتجاها تعصبيا سلبيا يتحكم في العلاقات بين الجماعات التي تربطها روابط خاصة، فمكوناته المعرفية لدى المتعصبين الرياضيين الاعتقاد بأن النادي هو أفضل الأندية من حيث اللاعبين والمدربين والإداريين والمكانة التاريخية والإنجازات والألقاب وعدم الاقتناع بالهزيمة وتبريرها والإساءة للمنافسين الآخرين، والمكونات الانفعالية تتمثل في الميل لتشجيع نادي دون سواه والشعور بالانتماء له والسعادة بفوزه والحزن على خسارته مع صعوبة تقبل الأندية الأخرى وكرهها، وتتضمن المكونات السلوكية ممارسة العنف والشغب الجماهيري وإحراق أعلام الفرق المنافسة والسب والقذف وغيرها من السلوكيات السلبية الرياضية.

ولأن ظاهرة التعصب الرياضي في بلادنا تهدد مشروعات التنمية الوطنية المستدامة والاستقرار الرياضي والمتعة الكروية، وجب علينا الوقوف على أسبابها التي كشفها كثير من الدراسات المهتمة، وأهمها ما يتعلق بإدارة المنافسات المحلية من حيث التخطيط لها وتنظيمها وتنسيقها والرقابة عليها وحسن اختيار القائمين عليها وحيادهم وجودة اختيار حكامها ولجانها وعدالتهم الرياضية، وكذلك ما يتعلق بخصائص الجماهير الرياضية من حيث ثقافتهم ووعيهم وضبط انفعالاتهم ومدى قابليتهم للتأثير الرياضي وتفاعلهم مع الأحداث الرياضية وتقبلهم لبعضهم البعض، وما يتعلق أيضا في الإعلام الرياضي ومدى مسؤوليته تجاه الحد من ظاهرة التعصب ونشر ثقافة الروح الرياضية، وأخيرا عوامل ذات علاقة بالتربية في مختلف المؤسسات التربوية وأهمها الأسرة ذات التأثير الأكبر في سلوك أبنائها واتجاهاتهم وميولهم الرياضية.

ولكي ننجح في معالجة ظاهرة التعصب الرياضي في بلادنا ووضعها في الحد الأدنى للتنافس الشريف يجب علينا كمجتمع بمؤسساته المختلفة الرسمية والتطوعية الاعتراف بشيوع الظاهرة وإدراك خطرها وعدم التقليل من آثارها أو اعتبارها أمرا طبيعيا في عالم الرياضة، ثم إعادة النظر في أساليب التنشئة الاجتماعية من خلال الأسرة والمسجد والمدرسة والجامعة وتصميم برامج واقعية وعملية تغرس في نفوس الشباب روح التسامح والمحبة والاحترام المتبادل والإنصاف، وتقويم السلوكيات السلبية بالتوعية والتثقيف المستمر مع التركيز على النماذج الوطنية الرياضية التي تعكس صور التنافس الشريف.

ويقع على هيئة الرياضة مسؤولية كبرى في تجويد إدارتها للاتحادات الرياضية واختيار الشخصيات الرياضية المعتدلة في لجانها ومكاتبها المختلفة، والإشراف على مسابقاتها الرياضية المحلية والدولية وحتى ممثليها في الاتحادات الإقليمية والدولية، مع ممارسة دورها التوعوي لتعزيز الروح الرياضية وربط النشاط الرياضي بسمعة الوطن بما يضمن استجابة الجماهير الرياضية لرسائلهم التوعوية.

وتبقى أهم أداة لمعالجة ظاهرة التعصب الرياضي والحد منها مرهونة بوجود الإعلام الرياضي القوي والحر والنزيه والعادل، ولأهمية دور الإعلام الرياضي نص الميثاق الدولي للتربية البدنية الرياضية الذي أصدره اليونسكو على أنه «ينبغي لكل من يعمل في مجال إعلام وسائل الجماهير الرياضية - دون المساس بحق حرية الإعلام - أن يكون على إدراك تام لمسؤولياته الاجتماعية والتربوية والغاية الإنسانية والقيم الأخلاقية التي تنطوي عليها التربية البدنية والرياضية».

ومع كل تلك المعالجات الضرورية السابقة فإنها لا تكفي للتعامل مع ظاهرة التعصب الرياضي والحد منها في منافساتنا الرياضية، وأصبح لزاما إصدار قانون وطني لتجريم التعصب الرياضي في صوره المختلفة، وقد قيل في الأثر إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

@drAlshreefTalal