عيد الفايدي

استثمار المباني المهجورة

الأربعاء - 27 نوفمبر 2019

Wed - 27 Nov 2019

في كل قرية أو مدينة مبنى له حكاية وقصة بعنوان «المبنى المهجور» الذي تركه من كان يستخدمه كقلعة أو قصر أو مسجد أو مدرسة أو مبنى للسكن الخاص، ومع مرور الزمن تركه المالك أو ورثة ذلك المالك. أو انسحب مقاول المشروع، ومن هنا ليس كل مبنى مهجور هو مبنى قديم أو متهالك، ولكن مهما اختلف نوع المبنى فإن له حكاية أو قصة أو سجلا تاريخيا مشوقا ترتفع قيمته ومكانته مع مرور الزمن محتفظا بمساحته المحدودة. ولكن مسميات تلك المباني تختلف باختلاف الأهداف من إنشاء المبنى الذي اتصف بأنه مهجور وأنه من الأطلال. والأطلال مرحلة من مراحل عمر ذلك المبنى، فقد يكون مصيره الإزالة أو التحديث أو التجديد. وفي الشعر الجاهلي شواهد من الشعر على الوقوف على الأطلال، منها قول امرئ القيس:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوا بين الدخول فحومل

وما زال هذا الأساس عند الإنسان حتى العصر الحاضر، فهو يتذكر من المباني التي لها محطات في حياته وإذا كانت تلك الأطلال تثير العواطف والأحاسيس عند الشعراء فإن المباني المهجورة في العصر الحاضر لها آثار سلبية مختلفة، تشمل الجانب الأمني والصحي والاجتماعي وكل جوانب الحياة، فهي موحشة نهارا مظلمة ليلا، وانتقلت من مرحلة النفع الإيجابي إلى مصدر قلق وخطر ليس للمكان التي هي فيه فحسب، بل تتسع دائرة الخطر لتشمل المجتمع كله، لأن ذلك المبنى بؤرة مناسبة وملائمة لكل أنواع الجريمة والمجرمين والحيوانات والحشرات الخطيرة مع تكدس المخلفات المختلفة داخله.

والمباني المهجورة ليست مشكلة محلية، بل هي مشكلة عالمية تمت الإشارة إليها في صحف محلية وعربية وعالمية، وأشارت لها كتب مثل «قلاع مهجورة» الذي استعرض فيه مؤلفه القلاع المهجورة حول العالم. وهي لا تقتصر فقط على القلاع والحصون، بل تشكل كثير من المباني الخاصة والحكومية الحديثة جزءا منها، وقد أعلنت وزاره التعليم سحب أكثر من 300 مشروع من المقاول الصيني حتى لا تتحول تلك المباني إلى بؤر للجريمة.

ويمكن الإشارة إلى مبان أخرى كنموذج لمشكلة المباني المهجورة، مثلا في مدينة الرياض في شارع السويلم «الديرة» مبنى قديم وعليه لوحة قديمة (مرور الرياض عام 1372)، وعندما تنظر إلى المبنى من الخارج تجده سليما ولا تظهر عليه مؤشرات التصدع، ولكن عندما تنظر من خلال النافذة تلحظ أكوام النفايات التي تمثل خطرا صحيا على البيئة المحيطة، فما الحل؟

الحل هو تأهيله وتحويله إلى متحف للمرور مثلا، يجمع كل ما يتعلق بالمرور من لوحات وسجلات وتطورات، هكذا يتحول المبنى إلى سجل لتاريخ الوطن.

وكل مبنى له ما يناسبه من حلول، وما يناسب هذا المبنى ليس بالضرورة أن يطبق على مبنى آخر، وهذا المبنى عينة من نماذج كثيرة في الرياض وغيرها.

وهنا قد يستغرب القارئ كيف يكون مبنى حديثا ومهجورا؟ هنا الهجر اختلف، ربما يعود لوفاة المالك أو انسحاب المقاول، وكم من مبان تصل إلى ارتفاعات شاهقة وتقع في مواقع استثمارية ممتازة مهجورة لعدم اكتمال البناء.

حصر وإحصاء ووضع سجل للمباني المهجورة بكل أنواعها هي الخطوة السليمة للوصول إلى القرار الصائب، وهذا الحصر الإحصائي يجب أن يشمل تلك المحطات المهجورة على الطرق السريعة والزراعية، والتي تحتاج إلى صيانة وإعادة ترميم أو إغلاق حتى يحين الوقت المناسب للاستفادة من الموقع.

وبذلك يتضح أن الحل الإيجابي لتلك المباني ليس في الإزالة، بل دراستها من كل الجوانب واتخاذ القرار الاقتصادي السليم للاستثمار الطويل في حال عدم وجود المالك أو عدم تمكنه إكماله فتكون الصناديق الاستثمارية البنكية أو أي صندوق استثماري آخر هي من يتولى إكمال المشروع وفق الإجراءات الاستثمارية التي تضمن حقوق كل الأطراف للحفاظ على الكنز المفقود في المباني المهجورة.

ealfaide@