عبدالحليم البراك

الجمعة الملونة!

الاثنين - 25 نوفمبر 2019

Mon - 25 Nov 2019

الجمعة القادمة جمعة ملونة بكل الألوان، فهي جمعة سوداء فوفق الاستخدام الغربي تسمى بلاك فرايدي، ويرد عليهم رجل متدين «بلاك عليكم» ليقرر صاحب متجر عربي أن ينقل لنا هذه الثقافة فيسميها الجمعة البيضاء، ويضع تخفيضات سنوية أسوة بالثقافة الغربية بكل شيء إلا الاسم، بل جاء آخر ليسميها الجمعة الصفراء، ولا تستغرب إن جاء رجل آخر عجيب ليسميها الجمعة الأرجوانية أو الخضراء أو البرتقالية، فما هي قصة الجمعة السوداء الغربية وكيف اتبعناهم؟!

التسمية المحزنة: تعود تسمية الجمعة السوداء إلى القرن التاسع عشر، حيث ارتبط ذلك مع الأزمة المالية عام 1869 في الولايات المتحدة، والذي شكل ضربة كبرى للاقتصاد الأمريكي، حيث كسدت البضائع وتوقفت حركات البيع والشراء مما سبب كارثة اقتصادية في أمريكا، تعافت منها عن طريق عدة إجراءات، منها إجراء تخفيضات كبرى على السلع والمنتجات لبيعها بدلا من كسادها وتقليل الخسائر قدر المستطاع، ومنذ ذلك اليوم أصبح تقليدا في أمريكا تقوم خلاله كبرى المتاجر والمحال والوكالات بإجراء تخفيضات كبرى على منتجاتها تصل إلى 90% من قيمتها، لتعاود بعد ذلك إلى سعرها الطبيعي بعد انقضاء الجمعة السوداء أو الشهر الخاص في هذا اليوم.

نحن العرب والمسلمين لأن يوم الجمعة عزيز علينا، سميناها الجمعة البيضاء، لأنه عز علينا أن نسمي جمعة بلون داكن حزين كالأسود، وأنه لا يليق بجمعتنا المقدسة إلا الأبيض، ولا يليق بفرحنا بها إلا الأبيض. آخرون تجاريون سموها الصفراء لأن شعار شركتهم أصفر، والخوف أن تنتقل هذه التسمية للأندية، فكل ناد يسمي الجمعة بلونه، فنسمع بالجمعة العنابي!

لنستحضر الفيلسوف العربي ابن خلدون في كلمتين، الأولى «المغلوب مولع دائما بتقليد الغالب»، والأخرى «ذلك أن الرئاسة لا تكون إلا بالغلب والغلب»، ومحصلة الكلام أن العرب والمسلمين ونحن منهم، انشغلنا بلون الجمعة ولم ننشغل بالإنتاج، ولم ننشغل بشيء يجعل من الغرب والشرق يتبعنا رغم أنفه، فنحن رغم أنوفنا نتبع آخرين، ونتبع تسمياتهم ونتعلق بالاسم وإشكاليته ولا نتعلق بأصل الإشكالية وهي الريادة، والغلبة والإنتاج، والتي منها يتحقق التميز والانفراد.

وإن نظرت لتاريخ الصفر لا يمكن أن يأتي دون ذكر العرب، وإن نظرت لتاريخ البصريات لا يمكن دون ذكر العرب، وإن جاء ذكر البترول الآن فلا يأتي دون ذكر العرب، فالريادة سيدة الكلام، أما الرتوش مثل التسميات واللغة فهي أثر الريادة والإنتاج.

سموا جمعتكم ما شئتم، فإن أنتجتم تبعتكم غيركم في التسميات، وإن لم تنتجوا فاتبعوا تسميات المنتجين، وشعارات المنتجين، وتحدثوا بلغة المنتجين، وثقافة المنتجين، وحياة المنتجين وأفلام المنتجين وموسيقى المنتجين وإبداع المنتجين، وكتب وعلم المنتجين، شئتم أم أبيتم! ولا رأي لكم حتى تنتجوا!

Halemalbaarrak@