فيصل الشمري

أربعون عاما مضت منذ فبراير 1979

الاحد - 24 نوفمبر 2019

Sun - 24 Nov 2019

ماذا حدث في فبراير 1979؟ وكيف بقي مبهما إلى الآن عند التفكير به؟ هناك حاجة إلى قدر أكبر قليلا من التفكير عند معرفة المغزى من هذا الشهر، عوضا عن استدعاء أحداثه لأنها تكشّفت!

في الأول من فبراير هبط روح الله الخميني في طهران، حيث قال لرئيس الوزراء المعين من قبل الشاه شابور بختيار "إذا لم تسلم الأمة، فإن الأمة سوف تضعك في مكانك". في الثاني من فبراير دعا الخميني القوات المسلحة إلى الانضمام إلى حركته. وفي الثالث من فبراير استقال عمدة طهران وطُلب منه أن يخدم في جمهورية الخميني الإسلامية الجديدة. وفي الخامس من الشهر استقال آخر الرافضين في البرلمان الإيراني مع رئيس الوزراء أيضا. وفي اليومين العاشر والحادي عشر اشتد القتال بين الفصائل الموالية للشاه والموالين للخميني، مما أسفر عن مئات القتلى في أنحاء البلاد.

في ذلك الحين، أعلنت القوات المسلحة عن حيادها علنا، وفي الخامس عشر من فبراير تم تنفيذ أول عمليات إعدام بإجراءات موجزة في عهد الخميني ونظامه الديني. وفي الفترة المتبقية من شهر فبراير إضافة إلى شهر مارس، كانت الاشتباكات بين الجماعات الموالية للشاه والموالية للخميني قد انتشرت في مختلف أنحاء البلاد. كان الخميني وعلماء الدين في الـ 15 يوما الأولى من فبراير بحاجة إلى اكتساب السلطة وتوطيدها والاستحواذ عليها.

ومنذ ذلك الحين إيران والمنطقة والعالم لم تبق على حالها، فإلى جانب التبشير بعصر الخميني في إيران وانتشار فكره، فإن هذا من شأنه أيضا أن يؤدي إلى تكوين أكبر دولة راعية للإرهاب على مستوى العالم. ماذا نفعل إذن؟ دعونا نرى حقيقة الوضع في الوقت الحالي، وأفعال هؤلاء الذين يستمرون في الحفاظ على شرايين الحياة الحيوية لنظام رجال الدين القائم.

منذ 1979 نفذت إيران اغتيالات مستهدفة وهجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم. شهدت كل من أمريكا الجنوبية وجنوب آسيا وأوروبا والشرق الأوسط إراقة دماء على أساس الرعاية والتدريب اللذين قدمتهما طهران لوكلائها الإرهابيين وعملائها الاستخباريين.

حتى وقت قريب من العام الماضي، جرى اختيار باريس ليصيبها هجوم إرهابي أحبطته السلطات الفرنسية في مراحل التخطيط له. وكانت فرنسا هي التي قدمت قبول منح الخميني ومجلسه الثوري الإسلامي حق اللجوء السياسي في فرنسا عام 1978، وهو ما كان يفترض أن من شأنه أن يسمح لفرنسا بالتخطيط لاستيلائها على إيران بكل أريحية. لكن هذا لم ينقذ أرواح الفرنسيين أيضا في لبنان عندما قامت جماعة إيران الإرهابية الرئيسية حزب الله عام 1983 بقتل الفرنسيين والأمريكيين. في كوبنهاغن، الدنمارك، تم إيقاف حركة المرور بالكامل لعدة ساعات العام الماضي، بينما كان عملاء المخابرات الإيرانية المعروفون يحاولون تجنب نظرائهم الدنماركيين، وجرت محاولات اغتيالات موجهة ضد شخصيات سياسية في أوروبا والولايات المتحدة.

إن مزيدا من مراجعة تصرفات طهران في الشرق الأوسط يرسم صورة أكثر شؤما. ومن المعروف أن الحرس الثوري الإيراني أمد جنود الحوثي في اليمن بالأسلحة، وأفراد القوات الخاصة، والمهندسين، والصواريخ الباليستية التي أطلقها في اليمن. كما فعل الشيء نفسه في سوريا. وقد سمح المهندسون والموظفون التابعون للحرس الثوري الإيراني بتعديل أنظمة القذائف S-75 / SA-2 (أرض - جو) التي تعود إلى الحقبة السوفيتية في اليمن لتصبح صواريخ (أرض – أرض) (SSM). وتحولت مدفعية Luna-M الصاروخية من العصر السوفيتي إلى صواريخ كروز قصيرة المدى. كما تم تزويد الحوثي بصواريخ كروز وبالستية من صنع إيراني. استهدفت هذه الأسلحة المدن السعودية على طول الحدود، والتي تم استخدامها أيضا في استهداف الرياض وتبوك والإمارات العربية المتحدة. كما أن عائلة صواريخ القاهر التي أطلقها الحوثيون للمرة الأولى عام 2015 هي صواريخ S-75 / SA-2 SAM الروسية الصنع التي تم تعديلها لتصبح أجهزة SSM لضرب أهداف أرضية. كما يتم استخدام Zelzal & Zelzal-2 أيضا من قبل الحوثيين، وهي أنظمة منتجة في إيران وتأتي من قبل إيران حتى الآن، ولا يوجد رعاة أجانب آخرون لتصنيعها وإصدارها.

إذا أخذنا هذه الأسلحة في الاعتبار، سنرى أنها أصبحت متاحة الآن لوكلائها في العراق وسوريا ولبنان، حيث تعمل هذه الكيانات في جوهرها كقوة استكشافية إيرانية فعلية في جميع أنحاء المنطقة. وهو ما يترك المملكة العربية السعودية، بين دول أخرى، في شبه تطويق كامل لهذه الجماعات الوكيلة/الإرهابية (الحوثي في اليمن، وحزب الله في العراق، وحزب الله في سوريا ولبنان) الذين لديهم صواريخ كروز وصواريخ باليستية. وإذا كان هناك سلام في جميع أنحاء المنطقة فإن هذه الحالة لا يمكن أن تستمر. ولا يوجد بلد آخر في المنطقة يسلح ويسعى إلى شن حرب باسم النظام الديني. وبتعبير صريح فإن هذا أمر غير مقبول على الإطلاق.

كان التهديد الذي أطلقته طهران على المملكة العربية السعودية ومواطنيها نتيجة إطلاق الصواريخ والقذائف من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن إلى داخل البلاد ذاتها. وعانت نجران من صواريخ وقذائف على نطاق واسع، مما تسبب في وقوع خسائر بين السكان المدنيين. كما استُهدفت قرية الطوال على الحدود الجنوبية بـ 11 صاروخا على الأقل أطلقت من مناطق يسيطر عليها الحوثيون داخل اليمن.

وقد أرسلت إيران صواريخ سكود التي انطلقت مرة أخرى من مناطق يسيطر عليها الحوثيون داخل اليمن إلى وكلائها الحوثيين، وتم التحقق من صحة ذلك من خلال إيقاف السفن في البحر المحتوية على الصواريخ في شحناتهم أثناء عبورها في محاولة للوصول إلى الموانئ

اليمنية.

الولايات المتحدة أعادت بناء ألمانيا الغربية وأوروبا بموجب خطة مارشال، ودافعت عنها ضد الغزو السوفيتي طيلة فترة الحرب الباردة، هي نفسها الولايات المتحدة التي أقدمت على منع تجويع برلين الغربية تحت الحصار الذي فرضه الطاغية السوفيتي جوزيف ستالين.

كان المقصود من مؤتمر بولندا في وارسو أن تشكل بولندا إجماعا حول كيفية التعامل مع طهران، لكن ألمانيا نفسها اختارت عدم المشاركة على المستوى الوزاري. كما يبدو فإن ألمانيا، بصفتها أكبر عضو في الاتحاد الأوروبي، وأكثرها نفوذا أيضا، اتخذت موقفا خاصا بها.

وفي الوقت الراهن، تدعم سياسة برلين هذه أنشطة طهران وتعطي الشرعية للنظام المتطرف الذي خرج ضده المتظاهرون في الأقطار العربية ولبنان والعراق وتم قمعهم. وسوف ينبئنا الوقت ما إذا كانت ألمانيا والاتحاد الأوروبي سوف يحافظان على الموقف نفسه.

إن الموقف الذي تواجهه المملكة العربية السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي، والشرق الأوسط، مع إيران ليس الموقف الذي يمكن مواجهته بعدم المبالاة من قبل هؤلاء الذين يتعين عليهم أن يتعاملوا مع النظام المتطرف النشط في جوارهم. فتطويق الجماعات الوكيلة والإرهابية التي تمتلك صواريخ كروز والباليستية أمر لا يمكن احتماله.

ويبدو أن ألمانيا والاتحاد الأوروبي أخذا في الوقت الراهن موقفهما بشأن واقع المنطقة والوضع الحالي، واختارا سياسة الحفاظ على الحياة الحيوية التي تبقي النظام المتطرف في طهران قائما! لكن في ظل احتجاجات الشعب الإيراني، هل سيظل الاتحاد الأوروبي يمد خطوط الحياة للنظام هناك أم سيتغير الموقف؟

mr_alshammeri@