علي المطوع

مراحل تشكل المدير العربي ومآلاته

الجمعة - 22 نوفمبر 2019

Fri - 22 Nov 2019

لن أدخل في نظريات إدارية ولن أشير إليها، بقدر ما سأحاول تسليط الضوء على مراحل تشكل وعي المدير في مرافقنا الخدمية من واقع ما رأيناه وسمعنا عنه.

قد يقول قائل: لماذا مرافقنا الخدمية تحديدا؟ والجواب لأنها الأكثر تأثيرا في المواطن، وتنتظر منها أبعاد إنتاجية تساير المطلوب والمأمول.

مراحل تشكل المدير تبدأ من الطفولة، فالطفل ينشأ على حب الذات والتملك، وهاتان الغريزتان يخرجهما المجتمع من معدلهما الطبيعي لتصبحا خارج المألوف، يغذيهما منذ الصغر أشياء كثيرة، منها الهياط الاجتماعي بكل أشكاله وصوره، يردف ذلك أو يسبقه التعابير الاجتماعية التي ترسخ في الطفل تلك الأنا الزائفة، فبداية من (خلك رجال) إلى (لا يضحكون عليك الرجاجيل)، وصولا إلى (بعدي والنشمي وفحلان)، ينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه، وهذا الخطاب التسلطي الفوقي يجعل الطفل يمارس أساليب ممنهجة في التسلط وحب الظهور، يكبر هذا الطفل ويذهب إلى المدرسة، ويشاهد بعض مآسي التنمر، فإما أن يصبح نمرا أو ضحية مفترى عليه، وقد يرتقي قليلا على سلم التسلط ليخرج من دور الضحية ليمارس التنمر على عشيرته الأقربين في البيت أو في الاستراحة أو في أي مجمع عائلي.

وبعد أن يشتد عود هذا الفتى الحالم بالمديرية وشؤونها وشجونها، ينسجم مع خطاب يوجه إلى والده من بعض العمالة التي تصافحنا في الشارع بكلمة مدير، هذه العمالة الغريبة ربما تعرف مفتاحا من مفاتيح سعادتنا واستجابتنا كعرب، وهو شعورنا منذ بواكير تشكل وعينا الثقافي والاستقلالي بأن كلمة مدير هي الحلم الذي يريده كثيرون وينشدونه كمرحلة مهمة من مراحل التمكين والتكوين.

يدرس هذا الطفل ويتدرج في مراحل التعليم المختلفة، وتفكيره في الوعي واللا وعي منصب على كرسي إداري يستعمره ويسترضيه ويستجير به وإليه، هذا الكرسي هو جغرافية ذلك اللقب الجميل وتاريخه.. سعادة المدير.

يتخرج هذا الشاب ويعين في تلك الوظيفة وتبدأ رحلته مع حلم المديرية.

قد يكون تخصصه فنيا، وهذا يعني ممارسة بعيدة عن أجواء المكاتب وملفات الورق، ولكنها لعنة المديرية التي تنسيه تخصصه وخصائصه.

فيبدأ هذا الموظف بالقراءة في كتب تطوير الذات ويركز على وسيلة التأثير على الجماهير، يصنع له خارطة طريق تعينه للوصول إلى ذلك الكرسي الوثير، يبدأ في تجهيز نفسه والتطبع بطبائع عديدة تجعله متعدد الشخصيات، فهو عنيف مع الأقران، باحث عن معارك نظامية وإدارية تبقيه حيا في تلك المنظومات، وإن تعذر عليه الحصول على معركته تلك، اتجه إلى أساليب أكثر إثارة في صنع تلك المعارك لتجعله واضحا جليا، ذلك البعبع الذي يشار إليه بالأكف والبنان.

هنا تكون رحلة الوعي الإداري قد وصلت إلى مراحل متقدمة من النجاح، فهذا الشاب قد استغل الظروف وقدم كل صنائع المعروف للصف الأول من السابقين الأولين في تلك المنظومات، فأنعم عليه بلقب الرفيق والأنيس، إلى الاستراحات يؤخذ وفي المناسبات الخاصة يدعى، وهو في كل مكان يعلن بيعته الإدارية لكل متنفذ قوي قد يوصله إلى حلمه المنتظر.

يُختبر من دهاقنة الإدارة في تلك المنظومات، ويمر على عديد من الابتلاءات وهو صابر محتسب ينتظر الجائزة الكبرى (لقب صاحب السعادة).

يصل بعد سلسلة من الاختبارات ويصبح السعيد صاحب السعادة، فيقرب زملاء الشقة وأصحاب الاستراحة، فيصبحون الحاشية والحواريين الذين يهللون ويكبرون لمقدمه ولفوزه بهذا المنصب الإداري المحترم.

يصبح هذا المدير الجديد فارسا مغوارا، يضرب بيد من حديد ويشيع حالة من الخوف بين أعدائه الأولين كونهم ما عرفوا قيمته إلا عندما أصبح سعادة المدير.

رحلة المدير العربي ومراحل تشكله وعيا وعيّا، رحلة متطابقة ومتشابهة مع كثير من صور وقصص المديرين في حياتنا، وعلى الرغم من تزايد هذه الظاهرة، إلا أن الزمن وأحكامه تثبت أن هؤلاء مجرد زبد عارض وإن طال مكثه، تقشعه حالة إنصاف إدارية عقلانية تعيد الأمور إلى نصابها النظامي، ويشغل قادر مستحق هذه الدرجة الإدارية وهذا المنصب، ليعيد للمفاهيم الإدارية والإدارات ومعاييرها التنظيمية الصحيحة؛ حقها وحقوقها.

@alaseery2