ياسر عمر سندي

اختاروا أعداءكم بعناية

الأربعاء - 20 نوفمبر 2019

Wed - 20 Nov 2019

من نعم الخالق علينا أن أوجد في دنيانا التضاد العام بين المخلوقات البشرية والعوامل البيئية، مثل الظل والحرور والظلمة والنور، وكذلك مجمل ما تحمله الخيرات وما يقابلها من شرور، فكل جانب يقابله بالعكس جانب قد يكون مشرقا وقد يكون مظلما، وقد يكون تعيسا لقوم وللآخرين مبهجا. وهذا الاختلاف يؤدي إلى إحداث التوازن المجتمعي.

فإذا أمعنا النظر في أمورنا التي نعيشها وأحوالنا التي نتداولها نتعجب ونشعر تارة بالغرابة والغربة، وتارة أخرى بالتآلف والألفة، ونتساءل في دواخلنا وفي كل مرة إما بطريقة الاستهجان أو الاستنكار أو التأمل من خلال التصميم الوهمي

الموجود داخل عقولنا لدوائرنا الحياتية المتعددة، والتي ارتضيناها كي نعيش ونتعايش مع بعضنا البعض، وهذه الدوائر كما أراها، تبدأ بدائرة الأسرة الخاصة، ومن ثم دائرة العائلة العامة، إضافة لدائرة العمل، ودائرة الصداقات، وأخيرا

دائرة المجتمع العام وهم الناس المارون مرور الكرام في الحياة، مثل مقتضيات البيع والشراء والتعام الت الروتينية اليومية.

وهذه الدوائر الخمس تعمل بشكل متداخل. ومن خ الل هذا الامتزاج والترابط بين الدوائر تخرج لنا دائرة سادسة أجد أننا نغفل عن ملاحظتها إما جهلا منا أو قصورا في فهم مرادها، أو أننا لا نرغب في الخوض بمشاكل قد ترهقنا جراء

كشفها، ويظهر لنا فصيلان إما الأعداء المخالفون لمنهجنا وطريقتنا، أو الحلفاء المقربون، وهذا هو بيت القصيد.

هنالك أشخاص يطفون على السطح جراء تلاطم تلك الدوائر وارتفاع وتيرة أمواج المصالح، سواء كانت متوافقة أو متعارضة. وعلى سبيل المثال لا الحصر ولتقريب وجهة النظر نجد الحال ينطبق على الزوج بتعامله مع دائرته الأسرية الخاصة والمكونة من زوجته وأبنائه. وفي خضم ذلك التعامل قد يتمادى التداخل بين دائرته ودائرة أخرى مثل دائرة العائلة الأبعد قلي ال كأبناء العم أو أبناء الخال أو من هم على شاكلتهم ويتطور بالتالي الشد والجذب في أمور مشتركة، ويحدث

سوء في فهم الآراء واختلاف في وجهات النظر، والذي يؤدي غالبا إلى نشوء أزمات أسرية وعائلية كبيرة بين مكونات الدائرتين، ويتحول بعض أعضائهما إلى أعداء إذا ما استمر ذلك التنافر والشقاق.

وبالمقابل تظهر فئة من خلف الكواليس يجب الحذر منها والتركيز عليها تتبنى الأساليب الملتوية من خلال السقطات اللفظية والفعلية في تأليب الرأي وزيادة الهوة، حيث يتقمصون دور الحرص على المصالح البينية وتقديم النصائح الوهمية، ويلبسون قبعة الشيف البيضاء لوضع القليل من البهارات الهندية لإتقان طبخاتهم الخاصة، بمقادير لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وقلوبهم بحسب مصلحة الأهواء.

ونلاحظ كذلك بين دائرتي العمل والصداقات كيف تنشأ تلك العداءات والتكت الت البغيضة من خلال الاستحواذ الأهوج على المناصب أو الفوز بحظوة القرب والمكانة.

وهنا يأتي دور الحنكة في المحايدة والتعاقب بالملاحظة للمواقف، والفطنة بطرح الأسئلة: كيف نشأ الخ الف؟ ومن هم أصحاب المصلحة؟ ولماذا يمثلون دور المتحالفين معنا مع إبراز عيوبنا للغير؟ وفي مرة أخرى يجسدون دور الاهتمام بالغير مع الوقوف ضدنا! فتكوين الأعداء من وجهة نظري السلوكية، الذين تشكلوا من خلال التراكم الزمني للأحداث، يقدم لنا ميزة هي تعرية المتخفين وراء أقنعة التقرب والاهتمام، ويعملون ككشافين للطرقات المعتمة، ومناظير دقيقة للأبدان المنهكة، لتحديد مكامن الخلل الداخلي للتجلطات المعيقة لمسار دم الحياة، وهم كذلك، أقصد الأعداء، أدلاء لما يجب الحذر منه ومراعاته من دوائرنا المتداخلة، فتسليط الضوء على الأعداء وكيفية وجودهم، يظهر من هم وراء تكوين تلك الخلافات وتعظيمها، فالعبرة في خواتيم الأحداث وليس في خضمها. فالنار مفيدة وعلينا معرفة من أوقدها، والبحث عن المسبب أولى من الانشغال في السبب.

@Yos123Omar