مرزوق تنباك

زراعة الأسماء واستنباتها

الثلاثاء - 19 نوفمبر 2019

Tue - 19 Nov 2019

على رأي مسكين الدارمي رضي الله عنه أن الأسماء منارة عليا وعلامة دالة، وكلما كانت قليلة الشيوع والانتشار كان علوها وارتفاعها وبيان معناها أوضح وأسمح وأهم من التكرار والتشابه الذي يفقد الاسم وضوحه وبيانه وتميزه على يره، وعلى رأيه - أي مسكين الدارمي - أن التفرد والقلة في تردد الاسم بين الناس يزيدان وهج المسمى ويرسمانه في أذهان السامعين ويعرفانه تعريفا خاصا به غير مختلط بغيره من الأسماء والصفات، فتصير علامته الفارقة منارا ولازمة تعلي شأن الأسماء النادرة وقليلة التكرار والاستعمال.

ولا شك أن الأسماء غير شائعة الاستعمال بين الناس أكثر قبولا وتلفت انتباه المخاطبين ولا تختلط بغيرها ولا ينساها من سمعها، وهي في حصيلتها النهائية بيان يحتاجه السامع ليحدد الشخصية التي تحمل الاسم المنفرد الذي لا يذكر إلا قلي ال، وكلما تكرر الاسم وزاد انتشاره واستعماله قل تميزه وتفرده المطلوب للتعريف، وكانت كثرة التشابه بالأسماء مجال غموض واختلاط لا وضوح وبيان، ولا سيما في هذا الوقت حيث التجمعات الكبيرة في الأعمال والأماكن العامة وفي المدارس والجامعات، حتى صار تكرار الاسم في المكان الواحد مشكلة يعاني منها الناس.

وقد اهتمت العرب منذ القدم بوضوح الأسماء وتمايزها وعدم تكرارها مع أن التجمعات في ذلك الوقت كانت محدودة وقليلة، ولم يكثر استعمال الاسم الواحد عندهم، ولا التكرار في العائلة والأسرة كما هو حادث اليوم، حيث أصبحت الأغلبية تحمل أسماء متشابهة لجد سابق أو مشهور، خلافا لما تعارف عليه الناس في القديم، إذ إن من العادات القديمة، وأقصد بالقديمة قبل جيلين أو ثلاثة، أنه لا يحسن أن يسمي الرجل أحد أبنائه باسم أبيه إذا كان حيا، بل يجل أباه ويعزه ويرفع من احترامه بألا ينادى باسمه غيره في البيت وهو حي.

وقد تغير اليوم الحال واختلف التقليد وبدأت الأسماء تتكرر بشكل لافت، وأصبحت بعض الأسر في المجتمع السعودي تتكرر أسماؤها إلى الجد السادس أو ما بعد ذلك، ويأتي الاسم الواحد في العائلة أو في الأسرة عند كل رجل منهم، مما

جعل التطابق الحرفي بينهم مشكلة ويصعب التمييز بينهم في أكثر الحالات، وقد يكون شبه مستحيل التعرف على الشخص المقصود.

وغير أسماء الأسر المتكررة في التقليد العائلي يأتي اسما محمد وعبدالله في المرتبة التالية من التكرار، وقلما تجد رجلا ليس اسمه أحد الاسمين إلا ويسمي بعض أبنائه بمحمد وعبدالله، مما جعل هذين الاسمين كثيري التشابه بين الناس،

والتسمية باسم محمد وعبدالله تسمية شائعة في بعض الشعوب العربية والإس المية تيمنا باسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مما حدا ببعضهم إلى تركيب الأسماء، وإن كان الأثر الذي يشير إلى أن خير الأسماء ما سمي بهما

غير صحيح.

وقد شدت ظاهرة استنبات الأسماء وزراعتها انتباه عالم لغوي من علماء اللغة المعاصرين، هو البروفيسور أبو أوس إبراهيم الشمسان الأستاذ المتميز بجامعة الملك سعود، فسك المصطلح الذي ترونه عنوانا لهذا المقال «زراعة الأسماء »، وهو مصطلح وضعه استقراء لما صار إليه الناس في هذا الوقت مما لفت انتباهه وأوجب الملاحظة من قبله.

والبروفيسور أبو أوس له جهود كبيرة وتحقيقات ودراسات واسعة في اللغة نحوها وصرفها ووظيفتها، منها كتاب (أسماء الناس في المملكة العربية السعودية)، وفيه دراسة وافية ونظرية عن دلالات الأسماء ومعانيها ومقاصدها ثم أردفه )بمعجم أسماء الناس في المملكة(، والكتاب والمعجم يتناولان ظاهرة الأسماء ويعللان أسباب انتشارها وتكرارها ووجودها في القبائل والأماكن والديار، وهو عمل يستجيب للواقع الجديد ويناقشه بموضوعية واحترام لرغبات الناس وميولهم.

Mtenback@