تساؤلات من نظام الجامعات الجديد
الأحد - 17 نوفمبر 2019
Sun - 17 Nov 2019
قبل أن أبدأ بعرض ومناقشة مجموعة من التساؤلات تشكلت في ذهني وأنا أقرأ مواد وفقرات النظام الجديد للجامعات، لا بد لي وأن أقول وبكل تجرد إن فكرة تغيير النظام الحالي للجامعات في حد ذاتها تعتبر إنجازا، وتحولا إيجابيا، لماذا؟ لأن الإنسان السوي بطبعه يتطور، ودائما يبحث عن التغيير وعما يوصله للنجاح وينقله من حال إلى حال أفضل، حاله كحال المياه المتجددة في الجداول والأنهار، لا كما تلك الآسنة في البرك والمستنقعات. ومسألة نقد فقرات ومواد النظام، وتجريبه على بعض الجامعات، وبحث تعديله وتطويره، والرفع للجهات العليا بالملاحظات والاستدراكات مسألة واردة ومقبولة، حتى إن النظام نفسه ندب إليها، وجعل استمرار العمل به مشروطا بالتجربة ومتابعة النتائج، ومن ثم الرفع بذلك للمقام السامي.
ومع إعجابي بالنظام الجديد للجامعات، إلا أنني لن أسهب كثيرا في مدحه والثناء عليه، فبعض مديري الجامعات الحاليين ووكلائهم ومستشاريهم وحتى مديري مكاتبهم أشبعوا النظام الجديد مدحا وثناء وإطراء، بل وتعدى مدحهم إلى كل ما له صلة مباشرة أو غير مباشرة بهذا النظام، لدرجة أن المتابع للشأن الأكاديمي المحلي ربما شك أن مثل هؤلاء المسؤولين كانوا مظلومين في أعمالهم تحت لوائح وبنود نظام الجامعات الحالي أو أن المثل الشعبي «مع الخيل يا شقرا» ينطبق عليهم تماما. وعلى أية حال، وبصرف النظر عن مشاعرهم الحميمية التي لن أزاحمهم فيها، سأدخل مباشرة في نقد ما أراه مستحقا للنقد والملاحظة وجديرا بالأخذ بعين الاعتبار عند التجريب والتغيير.
تعالوا معي
إلى المادة (3) من النظام الجديد التي تقول إن الجامعة مؤسسة أكاديمية عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة ماليا وإداريا، ولا تهدف للربح. وهذا شيء جميل ورائع جدا، ولكن كيف نوفق بين الاستقلال المالي للجامعة وبين أنها لا تهدف إلى الربح؟! وكيف نوفق بين الاستقلال الإداري من جهة وهي تخضع لسلطة مجلس شؤون الجامعات في التنظيم وسن اللوائح من الجهة الأخرى؟! عن أي استقلالية نتحدث؟! طالما منحنا الجامعة استقلالا ماليا فليس من المنطق حكر نشاطها المالي فيما تناله من الهبات والتبرعات وبعض الدورات والأنشطة التدريبية، ومع العلم أن النظام قد أعطى الجامعات الحق - وهو قائم منذ زمن - في إنشاء الشركات واستثمار الأبحاث والمرافق وغيرها من الأدوات الاستثمارية، إلا أنه نسف الاستقلالية المالية بنسف أول أهدافها وهو الربح!
قد يقول قائل إن المقصود بالاستقلالية المالية هو الاستقلالية في المصروفات وفي المدخولات التي لا تأتي على حساب الطالب، على اعتبار أن التعليم في المملكة مجانا ولا يمكن استهداف الطالب كعميل أو مستهلك، وبالتالي تكون الاستقلالية في استقلالية الذمم المالية وإعداد الميزانيات، وما إلى هناك من أمور تتعلق بالرواتب والحوافز والمزايا، وإن كان هذا هو المقصود فعلا فإننا نكون قد خلقنا إشكالية تشريعية كبيرة، كيف؟ ستسقط الجامعات الصغيرة في فخ الاستقلالية المالية، وسنجد بونا شاسعا بين الجامعات وفرقا كبيرا في الرواتب والمزايا والمنح، لأن الصرف سيكون مربوطا بقوة الجامعة ومدى نفوذ مجلس أمنائها، وسمعتها ومكانتها، ولو أن المشرّع سكت عن الاستقلال المالي لكان خيرا، فالكل في نهاية المطاف عيال على الدولة!
وتعالوا معي أيضا إلى المادة (12) الخاصة بتشكيل مجلس الأمناء، حيث ذكر في الفقرة (1) أن هناك أربعة أعضاء من مجلس الأمناء يجب أن يكونوا من ذوي الخبرة والكفاية ممن عملوا في مجال التعليم العالي، ولكنه لم يذكر ما إذا كانت لهم علاقة حالية أو سابقة بالجامعة!
ولو قلنا إن النظام في هذه الحالة كان مرنا وترك المجال واسعا والباب مواربا، بحيث أتاح الفرصة لمن لديه الخبرة والكفاية بغض النظر عن أي شيء آخر، فإننا سنصطدم بما جاء في الفقرة (4) من المادة نفسها، حيث تنص الفقرة على أن ثلاثة من أعضاء مجلس الأمناء يجب أن يكونوا من الجامعة نفسها، وهذا يعني أن الأربعة المقصودين في الفقرة (1) ليسوا من داخل الجامعة، بل يجب أن يكونوا من خارجها حتى لا نقع في حرج تشريعي، وإن سلمنا من الوقوع في هذا الحرج فهل سنرى أعضاء يتمتعون بعضوية الأمناء في أكثر من جامعة؟!
مسألة تشكيل مجلس الأمناء مسألة مهمة جدا، ولا سيما أن فكرة تكوين المجلس ربما تكون بجانب تصنيف الجامعات إلى بحثية وتطبيقية هما الشيئان الجديدان في نظام الجامعات الجديد، وبالتالي فإن تشكيله سيلعب دورا محوريا في القفز فوق كل معطلات النهوض ومثبطات التغيير، ولا أستطيع أن أتخيل، ولا أريد أن أتخيل مديرا سابقا للجامعة أو وكيلا متقاعدا ينضم لعضوية مجلس الأمناء أو يكون رئيسا للمجلس، وإن حدث هذا، وهو ما لا أرجوه، فإننا سنصحو على حقيقة مؤلمة، ومؤلمة جدا، وهي أننا لم نفعل شيئا من التطوير والتغيير الذي نتحدث عنه، وإنما عدنا بشكل أو بآخر لمربع الصفر، أو أننا نجتر ما أكله السابقون، أو نحلم أن نضيء مستقبل الأجيال القادمة بما يشبه العوازل أو أشباه الموصلات!
تعالوا معي إلى الفقرة (17) من المادة (13) حيث تقول إن من مهام مجلس الأمناء تشكيل مجلس استشاري دولي، وهذا في الواقع يتعارض مع ما جاء في القرار السامي القاضي بمنع الجهات الحكومية من التعاقد مع مكاتب استشارات أجنبية، أو ما هو في حكمها، وإلزام تلك الجهات بالتعاقد مع ذوي الخبرة من السعوديين أو مع المكاتب الاستشارية والشركات الوطنية! فكيف نوفق بين هذين المتناقضين! مع ملاحظة أن النظام يشترط في أعضاء مجلس الأمناء الخبرة والكفاية، ويفهم من لفظ الكفاية أن يكون العضو مكتفيا بما لديه من خبرة أكاديمية، فهو ليس بحاجة لمستشار، لا محلي ولا دولي! إن لم يكن على قدر كبير من الخبرة والكفاءة والكفاية، وبالتالي اعتلاء قمة الهرم الاستشاري، فكيف صار من الأمناء إذن؟!
ومع هذا، فإن مثل هذه الثغرات يمكن سدها وتجاوزها، واستدراك ما فات من أنظمة وتوضيحات، إما من خلال نشر لائحة تفسيرية محددة لما سكت عنه النظام أو جعله واسعا وعاما، وإما من خلال الرجوع إلى النظام نفسه وتعديل بعض المواد والفقرات تعديلا مباشرا، فالعمل بالنظام ما زال - كما قلنا - تحت التجربة، وأرجو ألا نبدأ تجربة العمل به في ثلاث جامعات، بل في جامعة واحدة فقط، فقرار مجلس الوزراء أشار إلى إمكانية تطبيق النظام الجديد على ثلاث جامعات على الأكثر، ويفهم من لفظ على الأكثر أن نطبقه على ثلاث جامعات أو جامعتين أو جامعة واحدة أو حتى لا نطبقه!
@drbmaz
ومع إعجابي بالنظام الجديد للجامعات، إلا أنني لن أسهب كثيرا في مدحه والثناء عليه، فبعض مديري الجامعات الحاليين ووكلائهم ومستشاريهم وحتى مديري مكاتبهم أشبعوا النظام الجديد مدحا وثناء وإطراء، بل وتعدى مدحهم إلى كل ما له صلة مباشرة أو غير مباشرة بهذا النظام، لدرجة أن المتابع للشأن الأكاديمي المحلي ربما شك أن مثل هؤلاء المسؤولين كانوا مظلومين في أعمالهم تحت لوائح وبنود نظام الجامعات الحالي أو أن المثل الشعبي «مع الخيل يا شقرا» ينطبق عليهم تماما. وعلى أية حال، وبصرف النظر عن مشاعرهم الحميمية التي لن أزاحمهم فيها، سأدخل مباشرة في نقد ما أراه مستحقا للنقد والملاحظة وجديرا بالأخذ بعين الاعتبار عند التجريب والتغيير.
تعالوا معي
إلى المادة (3) من النظام الجديد التي تقول إن الجامعة مؤسسة أكاديمية عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة ماليا وإداريا، ولا تهدف للربح. وهذا شيء جميل ورائع جدا، ولكن كيف نوفق بين الاستقلال المالي للجامعة وبين أنها لا تهدف إلى الربح؟! وكيف نوفق بين الاستقلال الإداري من جهة وهي تخضع لسلطة مجلس شؤون الجامعات في التنظيم وسن اللوائح من الجهة الأخرى؟! عن أي استقلالية نتحدث؟! طالما منحنا الجامعة استقلالا ماليا فليس من المنطق حكر نشاطها المالي فيما تناله من الهبات والتبرعات وبعض الدورات والأنشطة التدريبية، ومع العلم أن النظام قد أعطى الجامعات الحق - وهو قائم منذ زمن - في إنشاء الشركات واستثمار الأبحاث والمرافق وغيرها من الأدوات الاستثمارية، إلا أنه نسف الاستقلالية المالية بنسف أول أهدافها وهو الربح!
قد يقول قائل إن المقصود بالاستقلالية المالية هو الاستقلالية في المصروفات وفي المدخولات التي لا تأتي على حساب الطالب، على اعتبار أن التعليم في المملكة مجانا ولا يمكن استهداف الطالب كعميل أو مستهلك، وبالتالي تكون الاستقلالية في استقلالية الذمم المالية وإعداد الميزانيات، وما إلى هناك من أمور تتعلق بالرواتب والحوافز والمزايا، وإن كان هذا هو المقصود فعلا فإننا نكون قد خلقنا إشكالية تشريعية كبيرة، كيف؟ ستسقط الجامعات الصغيرة في فخ الاستقلالية المالية، وسنجد بونا شاسعا بين الجامعات وفرقا كبيرا في الرواتب والمزايا والمنح، لأن الصرف سيكون مربوطا بقوة الجامعة ومدى نفوذ مجلس أمنائها، وسمعتها ومكانتها، ولو أن المشرّع سكت عن الاستقلال المالي لكان خيرا، فالكل في نهاية المطاف عيال على الدولة!
وتعالوا معي أيضا إلى المادة (12) الخاصة بتشكيل مجلس الأمناء، حيث ذكر في الفقرة (1) أن هناك أربعة أعضاء من مجلس الأمناء يجب أن يكونوا من ذوي الخبرة والكفاية ممن عملوا في مجال التعليم العالي، ولكنه لم يذكر ما إذا كانت لهم علاقة حالية أو سابقة بالجامعة!
ولو قلنا إن النظام في هذه الحالة كان مرنا وترك المجال واسعا والباب مواربا، بحيث أتاح الفرصة لمن لديه الخبرة والكفاية بغض النظر عن أي شيء آخر، فإننا سنصطدم بما جاء في الفقرة (4) من المادة نفسها، حيث تنص الفقرة على أن ثلاثة من أعضاء مجلس الأمناء يجب أن يكونوا من الجامعة نفسها، وهذا يعني أن الأربعة المقصودين في الفقرة (1) ليسوا من داخل الجامعة، بل يجب أن يكونوا من خارجها حتى لا نقع في حرج تشريعي، وإن سلمنا من الوقوع في هذا الحرج فهل سنرى أعضاء يتمتعون بعضوية الأمناء في أكثر من جامعة؟!
مسألة تشكيل مجلس الأمناء مسألة مهمة جدا، ولا سيما أن فكرة تكوين المجلس ربما تكون بجانب تصنيف الجامعات إلى بحثية وتطبيقية هما الشيئان الجديدان في نظام الجامعات الجديد، وبالتالي فإن تشكيله سيلعب دورا محوريا في القفز فوق كل معطلات النهوض ومثبطات التغيير، ولا أستطيع أن أتخيل، ولا أريد أن أتخيل مديرا سابقا للجامعة أو وكيلا متقاعدا ينضم لعضوية مجلس الأمناء أو يكون رئيسا للمجلس، وإن حدث هذا، وهو ما لا أرجوه، فإننا سنصحو على حقيقة مؤلمة، ومؤلمة جدا، وهي أننا لم نفعل شيئا من التطوير والتغيير الذي نتحدث عنه، وإنما عدنا بشكل أو بآخر لمربع الصفر، أو أننا نجتر ما أكله السابقون، أو نحلم أن نضيء مستقبل الأجيال القادمة بما يشبه العوازل أو أشباه الموصلات!
تعالوا معي إلى الفقرة (17) من المادة (13) حيث تقول إن من مهام مجلس الأمناء تشكيل مجلس استشاري دولي، وهذا في الواقع يتعارض مع ما جاء في القرار السامي القاضي بمنع الجهات الحكومية من التعاقد مع مكاتب استشارات أجنبية، أو ما هو في حكمها، وإلزام تلك الجهات بالتعاقد مع ذوي الخبرة من السعوديين أو مع المكاتب الاستشارية والشركات الوطنية! فكيف نوفق بين هذين المتناقضين! مع ملاحظة أن النظام يشترط في أعضاء مجلس الأمناء الخبرة والكفاية، ويفهم من لفظ الكفاية أن يكون العضو مكتفيا بما لديه من خبرة أكاديمية، فهو ليس بحاجة لمستشار، لا محلي ولا دولي! إن لم يكن على قدر كبير من الخبرة والكفاءة والكفاية، وبالتالي اعتلاء قمة الهرم الاستشاري، فكيف صار من الأمناء إذن؟!
ومع هذا، فإن مثل هذه الثغرات يمكن سدها وتجاوزها، واستدراك ما فات من أنظمة وتوضيحات، إما من خلال نشر لائحة تفسيرية محددة لما سكت عنه النظام أو جعله واسعا وعاما، وإما من خلال الرجوع إلى النظام نفسه وتعديل بعض المواد والفقرات تعديلا مباشرا، فالعمل بالنظام ما زال - كما قلنا - تحت التجربة، وأرجو ألا نبدأ تجربة العمل به في ثلاث جامعات، بل في جامعة واحدة فقط، فقرار مجلس الوزراء أشار إلى إمكانية تطبيق النظام الجديد على ثلاث جامعات على الأكثر، ويفهم من لفظ على الأكثر أن نطبقه على ثلاث جامعات أو جامعتين أو جامعة واحدة أو حتى لا نطبقه!
@drbmaz