عبدالله محمد الشهراني

البركة التي لا نعرفها

الأربعاء - 13 نوفمبر 2019

Wed - 13 Nov 2019

قبل عشر سنوات تقريبا وفي مناسبة عائلية في مدينة أبها مع والدي رحمه الله، وفي جلسة ضمت قرابة تسعة أشخاص، سأل أحدهم عن وضع المزارع والبساتين في المنطقة، أجابه شخص بدا أنه يمارس مهنة الزراعة أو أن لديه معرفة جيدة بها، بأن الأرض تقريبا أصبحت جدباء بسبب قلة الأمطار وشح المياه العذبة، فرد على هذه الإجابة رجل كبير في السن بعبارة «لم تعد هناك بركة، هذا هو السبب». كانت إجابة غير مقنعة بالنسبة لشاب مثلي درس الهندسة ولا يفهم سوى 1 + 1 يساوي 2، بدأ الجدال في الأسباب وألقيت التهم على وزارة الزراعة من ناحية السماد وأنواع الحبوب، حتى خرج أحدهم عن صمته قائلا «نعم إنها البركة التي لا نعرفها!»، ثم تابع: أنتم تعرفون جيدا منصبي في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، أحدثكم يا سادة من واقع معرفة وبحكم طبيعة عملي في الأوقاف، لقد اكتشفت أن أغلب الأوقاف القديمة التي تعود إلى ما قبل عام 1400هـ هي أوقاف ذات قيمة ومردود كبير، لقد اعتاد الأولون أن يوقفوا أفضل ما يملكون من مزارع وبيوت وأراض وآبار، أتذكرون فلانا، لقد أوقف مزرعته الفلانية، وهي الأكثر إنتاجا من بين كل مزارعه، وهل تذكرون فلانا، لقد أوقف عمارته الفلانية في وقت كان نادرا أن ترى فيه مبنى مسلحا، الأمثلة كثيرة وهي الإجابة عن سؤال: لماذا كان كل شيء لونه أخضر؟

وفي مكة المكرمة ذكرت لي إحدى قريباتي رحمها الله، أنها ذهبت - ذات مرة - في الصباح الباكر إلى محل عطارة تسأله عن عشبة معينة، فكانت إجابة العطار «هذه العشبة غير متوفرة، لكنها موجودة عند جاري في الدكان المجاور». تقول قريبتي: وعندما هممت بالخروج رأيت العشبة في محله، فلم أتمالك نفسي، وسألته غاضبة «كيف تقول لي غير متوفرة وها هي أمامي؟!!»، أجاب العطار «يا أمي.. جاري لسّه ما استفتح».

وفي رحلة مع الأصدقاء إلى الأحساء رأيت منظرا غريبا، مزرعة يلتف حولها سياج تاركا عشر نخلات خارج نطاق السور، سألت المزارع لم هذه النخلات خارج السور؟ أجاب: هي ليست لنا، لقد ورّثها صاحب المزرعة لجاره قبل أن يموت. مكتشفا لاحقا أن أهل الأحساء كانوا يهبون أجزاء من مزارعهم لجيرانهم دون النظر لمذاهبهم، هذه حقيقة.. فلا غرابة إن كانت عيون الأحساء تفيض بالماء.

إنها البركة يا سادة التي لا نعرفها ولا نفهمها نحن الذين نتبرع بملابسنا المهترئة والقديمة، نحن من نطبخ ونطلب كميات كبيرة من الطعام ثم نترك الباقي - بعد أن مسته أيدينا أو عجزنا عن تناوله فقط - صدقة للمحتاجين!

قال تعالى «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون».

ALSHAHRANI_1400@