محمد أحمد بابا

درءا للتنمر.. سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا

الاثنين - 11 نوفمبر 2019

Mon - 11 Nov 2019

تحمل الحادثات تعبيرا أو سكوتا أو تغافلا أو تفاعلا، وتكون محط نظر المستيقظين لمعرفة الانطباعات وقياس وجهات النظر، وما الحياة الدنيا وما فيها إلا مجال تدبر وتفكر في هدوئها وبرمجة تكوينها وطبيعة سير أنظمتها، فما بالك إذا انضم إلى كل ذلك فعل أشخاص وتصرفات أناس على أعين متابعين وفي حضرة متربصين حانقين أو متنمرين فاحصين!

وعلى ذلك فإننا حين نقوم بالأعمال أو نتفوه بالكلام قصدا ونحن في سدة الرؤى ومنبر الملاحظة لا شك نتوقع ردة فعل بأنواع وأشكال مختلفة تدل على مكنون نفوس من نستهدفهم.

وما بين قناعة مزجاة أو تبعية لا ضابط لها وفلسفة اعتراض دائمة دون مبررات أو تأطير وتصنيف يتبعه إقصاء وحنق وربما كراهية فعداوة فقتال، يقف العاقل ممسكا بعلامات تدله على أعين الأشخاص فيعرف جماعته ليقيس بذلك كلمته.

وكم من شيطنة لفئة أو تحريض على قوم أو قول قاله صاحب إذاعة أو تصرف أعلنه ذو شهرة أوقع في النفوس هرجا ومرجا، ثم قاد كثير من ذلك للشك أو ضياع التصورات فنتج عنه خلاف أو اختلاف بُني على فوضى تشرذمات.

والقارئ لقصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح الذي علمه الله تعالى من لدنه علما يعرف مدى تأثير الأفعال على مقياس الصبر عند عدم الفهم.

ولعلي أستطيع أن أقول: إن المعرفة المسبقة بحال الواقع تحت تأثير التعليم أو التلقي تجبر الممارس للنصح أو الإفادة على فك أسوار الأسباب عند نقطة معينة، كما فعل ذلك الرجل مع نبي الله موسى عليه السلام في آخر المطاف فأخبره بتأويل ما لم يستطع عليه صبرا.

ففي النفوس خفايا الاعتراض والاستغراب والاستعجاب، وربما التكذيب أو التخوين والتهوين.

لكن بعض النفوس قد لا تبديه انصياعا للإذعان حسيا أو معنويا، ومع ذلك تبقى علامات الفهم أو التقبل بادية لمن ركز في وجوه القوم أو عالج بالتحليل قليل كلامهم ليبادرهم بالسبب، فيقتنع السامعون أو يكون لما أنكروه مجال تفاهم وأخذ ورد.

وحسبك من الخطأ أن تملك زمام أمر في مجموعة عمل أو طائفة ولاية أو حال وصاية ونحو ذلك وتتأبط الفعل دون بيان جاعلا السكوت علامة الرضا وهزّ الرؤوس علامة الاقتناع، فصبر الصامتين ينفذ ليخرج منهم يوما من يهدم بهرجة البرامج باعتراضات الضعفاء.

ومؤشر الصبر حتى اتضاح أمر مختلف باختلاف الزمن والمعطيات والأشخاص، وسرعة وصول الخبر اليوم ولو اقتضابا أو اجتزاء مؤثرة لا محالة في صبر يؤدي لحقيقية معرفية، ولذلك من المقلق أن يجد الإنسان نفسه بين مطرقة التصديق وسندان الصبر.

أظن أن مباشرة في الحديث وموضوعية في التعامل مع الحدث تخففان حدة التنمر حيث سوء الفهم، وتقللان من نسبة التجاوز عند السماع الأولي وتلقف الأخبار.

كل ذلك يجعل نفوسنا في هذا العالم متغيرة اطمئنانا أو ترددا وفق معايير استقاء المعلومة أو الاطلاع على فضاء مفتوح من الأخبار الزائفة أو الحقيقية أو المزورة، فنحتاج لمن يعاجلنا بتأويل ما لا نستطيع عليه صبرا.

albabamohamad@