عبدالله المزهر

مراسلكم من المستقبل!

الاحد - 10 نوفمبر 2019

Sun - 10 Nov 2019

لاحظت منذ فترة ليست بالقريبة أن كثيرا من أصدقائي يصرون على أن يعرفوا توقعاتي للأحداث المقبلة، كل حسب اهتمامه، منهم من يسأل عن توقعي لمباراة فريقه، وآخرون يسألون عن المرشح الأقرب للفوز بالانتخابات في السلفادور، أو من سيكون مديرا لبلدية في ألاسكا، وآخرون يلحون ويصرون على معرفة توقعاتي عن مستقبل السهم الذي يريدون شراءه.

ثم إني لاحظت منذ فترة أقرب أن كثيرا من الغرباء يفعلون ذلك أيضا، يقابلني أو يراسلني أشخاص لا أعرفهم يسألونني عن توقعاتي عن أمر مستقبلي.

ولا أخفيكم أن شيئا من الغرور اللذيذ بدأ يتسلل إلى عقلي، وبدأت أشعر بأهميتي وبأن تعبي لم يذهب هباء منثورا، فقد كنت أحاول طوال حياتي الاطلاع على تفاصيل الأمور التي تعنيني والتي لا تعنيني، وهذا بالطبع هو السبب الرئيسي الذي جعل الناس تحرص على معرفة توقعي وتصوري للمستقبل.

وقد راودتني فكرة استغلال هذه الموهبة تجاريا وأن أروج لخدماتي عبر منصة ما أو تطبيق مدفوع، فالحياة فرص، والموهبة التي لا يستفيد منها صاحبها أولى بها أن تدفن هي وصاحبها.

الذي أخافني قليلا هو أن الأمر بدأ يصبح أقرب إلى التنجيم بعد أن سألني أحد الأصدقاء عن توقعاتي لمستقبل أبنائه؛ هل سيكونون سببا في سعادته أم شقائه وحزنه؟

قبل أيام كنت أحدث زوجتي عن هذه الموهبة العظيمة فسألتني السؤال الذي لم أسأله لنفسي من قبل، ولا أعلم سبب تجاهلي مثل ذلك السؤال المهم والعميق؛ كنت أحدثها عن موهبتي وهي لاهية في أمر ما، فقالت دون أن تلتفت: أعطني أمثلة على توقعاتك العظيمة والمفاجئة التي أبهرت العالمين. ثم إنها لم تنتظر الجواب ومضت إلى شأنها دون أن تسمعني، لأنها ربما كانت تعرف الإجابات الواضحة التي لم أشاهدها من قبل.

تذكرت أني منذ ثلاثين سنة وأنا أتوقع فوز ليفربول بالدوري الإنجليزي، ومنذ عقدين وأنا أتوقع أن الهلال هو بطل دوري الأبطال في آسيا، توقعت أن زيدان لاعب أحمق ولن يكون سوى لاعب فاشل آخر، توقعت أن ميسي لن يعمر أكثر من خمس سنوات في الملاعب ثم يتلاشى، توقعت فوز الأرجنتين بالنسخة الماضية من كأس العالم وفوز البرازيل بالنسخة التي سبقتها.

دخلت سوق الأسهم في فبراير 2006، وتوقعت أن سعر النفط سيتجاوز المئة دولار في 2019، كنت واثقا أن ترمب لن يفوز بانتخابات الرئاسة الأمريكية، وراهنت أن أوباما أيضا لن يفوز في المرتين، في الثورات العربية توقعت سقوط الذين لم تسقطهم الثورات وراهنت على بقاء كل الذين سقطوا. وكثير من التوقعات التي «لا يسمح» المجال بذكرها.

ثم إني بدأت أقتنع أن سبب رغبة الناس في معرفة توقعي هو إيمانهم بأني فاشل تماما في التوقعات، وتعلمت أن ما قد يتوهم المرء أنهم معجبون في موهبته هم في الحقيقة دلالة على ضياعه المبين. وتعلمت أيضا أن القريبين منك يعرفون حقيقتك ولكنهم لا يرغبون في جرح مشاعرك ما لم تحاول استفزازهم وتقتنع أنك شيء آخر غير ما أنت عليه وتتمادى في تقمص الشخصية التي لا تخص حقيقتك.

وعلى أي حال..

الحقيقة ـ كأي دواء آخر ـ مؤلمة وطعمها قبيح ولكنها مفيدة، ولكني سأتمسك بإيماني بموهبتي، وأن كل ما في الأمر أن وقت ظهورها لم يحن بعد، وسأستمر في ممارستها إلى أن يؤمن بها كل الناس، ولعله من المناسب أن أخبركم أني أتوقع فوز النصر بالدوري هذا الموسم، وأن الهلال سيعود من اليابان بالكأس التي انتظرها طويلا، ولا يخالجني شك في أن ترمب سيخسر في الانتخابات القادمة.

agrni@