علي المطوع

المدير والغفير والكرسي الوثير

الأربعاء - 06 نوفمبر 2019

Wed - 06 Nov 2019

اليوم الخميس الونيس، في ثقافتنا كسعوديين، أصبحت له قيمة مضافة جديدة، كونه نهاية عناء ووعثاء، نهاية أسبوع عمل شاق من الارتباط الوظيفي والمهني، صحيح أن كثيرا من الموظفين في حل دائم من هذا الالتزام أو الانضباط، لكن صاحبنا ظل وثلته الأولين وقليل من زملائه الآخرين ملتزمين بمواعيدهم العملية، ينتظرون الخميس بفارغ الصبر ليبدؤوا بعده طقوس إجازتهم الأسبوعية.

هذا الخميس كان استثنائيا، فالمدير تعذر حضوره لظرف صحي، والفرحة تغشت المكان كون الخميس سيصبح أنسا من أوله إلى آخره، كيف لا والمدير غير قادر على الحضور.

ولكونه لاجئا في مكتب سعادته فقد أصبح رفيقه وأنيسه وونيسه، فمنذ أسابيع عديدة وهو ضيف على سعادته، غمره بكرمه وعطفه، بعد أن أعطاه إقامة شبه دائمة معه، لذلك فقد تضاعفت مسؤوليات صاحبنا كثيرا وأصبح التزامه أكثر، ومتماهيا مع المدير وطباعه أكثر وأكثر، فحضوره صار أبكر وانصرافه صار بمعية المدير، بل وكثير من عاداته واهتماماته أعاد ضبطها على مزاج صاحب السعادة.

في هذا اليوم تسنى له الجلوس في إيوان سعادته، وما هي إلا لحظات حتى ارتقى الكرسي المخصص لسعادة سعادته، وفجأة شعر صاحبنا بزهو عظيم وشرف أعظم، يا لهذا الكرسي ما أجمله وما أقدره على ضبط الصورة وإعادة تصديرها للآخرين.

فجأة وبدون مقدمات، تزايد الهمس في الممرات، وعلا أزيز الظنون والكلمات، الجميع يتساءل: هل أصبح فلان هو المدير؟ ثلة كبرت واستكبرت، وقلة سألت الله العافية، وغالبية عظمى قالت: ما لي ومال الناس!

تزايد الهمس وأصبحت وفود الفضلاء تأتيه وحدانا وزرافات، أحدهم قال له بعد أن سلم عليه بالإدارة: هل أفطر سعادتكم؟ أجابه: نعم أفطرت، وآخر حمل ملف إحصاءات وأرقام وتصاوير، وقال له في صوت مرتعش: هذه مؤشرات العمل ومتغيراته، هل تحب أن تأخذ فكرة؟

أجابه صاحبنا باقتضاب وحِدة: لخص لي ما فيه وأعده لي حالا.

المكان خلية نحل، ودرجة الحرارة ترتفع على غير العادة في هذا التوقيت، خاصة أنه يوم الخميس، وصاحبنا مسرور بكرسي المدير وطراوته وحلاوته.

لحظات ويجد نفسه خارج التغطية، فقد تغشته سِنة المديرين وتلبسته واحدة من عاداتهم، غفوة صغيرة وإذا به يرى فيما يرى النائم، أنه قد أصبح مديرا، وإذ بالوزارة تحتفي بي وتقول على لسان معالي وزيرها: أنت ضالتنا وأنت من سيصنع الفارق، خاصة مع خطط التحول الجديدة، اطلب ما تريد، فأنت اليوم لدينا قوي مكين، وعندما هم بالكلام استيقظ على وقع لكمات أحدهم وهو يقول: لقد ارتقيت مرتقا صعبا يا رويعي الخدم، اذهب فليس هذا مكانك ولا قدرك ولا منزلك.

لملم صاحبنا خيباته وانكساراته وعاد درجته وأدراجه يبحث عن ذاته من خلال تلك الرؤيا، عل أحدهم يعبرها له فينال ما وعده صاحب المعالي في ذلك المنام العجيب.

مرت أيام وليال والكرسي شامخ مكانه راسخ في ثباته، ينظر إلى صاحبنا شزرا وكأنه يقول له: لك الأحلام والسِنة ولغيرك الأفعال والجدة، اذهب لست نادما على فراقك إن الحب ليس لنا.

@alaseery2