مرزوق تنباك

المرحوم العزاز يرد الدخيل إلى دائرته

الثلاثاء - 05 نوفمبر 2019

Tue - 05 Nov 2019

يستعيد المرحوم صالح العزاز ذاكرة الأديب وقلمه عند تركي الدخيل، ويرده إلى دائرته التي خلقت معه بعد زمن من الهروب منها إلى إغراءات الحياة ونجاحاتها، كان صالح العزاز مشعا ملهما في حياته، وكان قلمه وموقفه ورأيه الذي يطرح للناس يحمل شحنة مضيئة وملهمة.

أذكر عنوان مقال له كتبه رحمه الله قبل تسع وعشرين سنة مضت، حين غزا صدام حسين الكويت واحتلها، فأثار احتلاله غضبا في العالم كله وفي دول الخليج خاصة، كانت كل الصحف والعناوين والمقالات تندد بصدام وعمله، وتصب كل ما يمكن أن يقال على العمل الأثيم والرجل المعتدي، تقول ما شاءت أن تقول وتكتب ما شاءت لها الكتابة وتسرف في كل صفات الذم والتخوين وما وراء ذلك وما دونه، لكن صالح العزاز كان عنوان مقاله كلمة واحدة مختلفة اختصرت كل ما قيل وكتب، ومسحت كل العناوين وحددت الحقيقة «صدام بعض أخطائنا»، وهكذا تكون البلاغة والاختصار واللغة التي تشع الحقيقة وتلامسها وتجمع أطرافها دون ثرثرة ولا تطويل.

نعود إلى أبي عبدالله وما لديه من جديد، في الأسبوع الماضي أعادنا تركي الدخيل لصالح العزاز بعد رحيله بسبعة عشر عاما، وليس المهم أن يتذكر تركي الدخيل صديقه ويعيده بعد هذا الزمن الطويل، وإن كان مهما أن يقرأ الجيل الجديد عن صالح وما أبدعه في الصحافة والمقالة والمواقف الثقافية والاجتماعية والصور الناطقة بالحياة وعن غيره ممن شارك بفكره وأدبه وإبداعه وتضحياته أيضا في مرحلة ماضية، لكن المهم أن يعود تركي الدخيل لدائرته الطبيعية وموهبته الأدبية بعد رحلة طويلة من المراحل والتحولات التي مرت به ومر بها، شغلت وقته وملأت عليه حياته بما حقق من الظهور والنجاح ومعارك الحياة وتجاربها.

أن ينجح تركي محاورا ومناظرا ومتوهجا في الفضاء المفتوح للإعلام شأن يخصه، ويغريه بالمزيد من الضوء والانكشاف على مساحة من العالم الذي يحبه ويجرب مواهبه لمزيد من الضوء على كل حال، أن ينجح مؤلفا ومشاركا وناشرا للثقافة المقروءة بفنونها وشجونها ومحبا للكتاب وصناعته، هذه حلقة من حلقات الهواية ومصدر لطلب الرزق والتجارة والكسب، وهو مثل غيره له حظ ورغبة وتوفيق كذلك، ومثل التجارة وشؤونها والربح والخسارة فيها كانت الإدارة ومسؤولياتها، ولا سيما إدارة الإعلام الصعبة، تلك التي يضع الإداريون فيها أرواحهم على أكفهم أمام أعين الناس كافة، وألسنتهم وأذواقهم، ويكون النجاح والتجاوز مرحلة من مراحل التجارب العريضة أمام الشباب الذين قد يقودهم الحظ والجهد من محطة إلى أخرى، وقد جرب تركي ذلك وأفلح، وحتى عندما تحط به الرحال على مواقع الدبلوماسية والسفارة والقيد الوظيفي الصارم، كل ذلك وغيره شأن خاص قد لا يهمنا كثيرا ولا يضيف لنا جديدا، وإن أضاف لصاحبه في محطاته ما يحتاج إليه فهذا شأنه أيضا.

لكن المشتغلين في شؤون الأدب وقضاياه وهمومه يريدون أن يستعيدوه من كل ما سبق، ويعيدوه إلى حرفة الأدب ومتاعبه والرضا منه والعتاب عليه، يستعيدون تركي الدخيل في هذه المرحلة إلى مكانة الكلمة الكامنة في وجدانه بصفته أديبا مترسلا. كتب قبل أيام عن الأستاذ عبدالله بن بجاد صديقه القديم وزميله في محطة من محطات حياته، تجلت فيما كتب ملكة الأديب وقدرة المترسل البليغ، واليوم يعود للكتابة عن صديقه صالح العزاز بروح المحب المعجب، فكان مقاله قطعة أدبية مؤثرة ومعبرة عن فيض الوفاء بين الأصدقاء. فمرحبا به في مهنة المتاعب والمحبة والمصاعب.

Mtenback@