سالم الكتبي

هل انتهى الدور الأمريكي في سوريا؟

الجمعة - 01 نوفمبر 2019

Fri - 01 Nov 2019

بعد كل الانتقادات الحادة التي وجهت للرئيس الأمريكي دونالد ترمب داخليا وخارجيا بسبب تخليه عن الأكراد وتركهم فريسة للاعتداء العسكري التركي، ثم توقيعه اتفاقا سريعا يمنح تركيا كل ما تريد، أو معظمه، ويحقق أهداف عملياتها العسكرية من بوابة السياسة، تراجع الرئيس ترمب عن قرار سحب جميع القوات الأمريكية من سوريا معلنا الإبقاء على جزء من هذه القوات لحماية مناطق احتياطات النفط والغاز في شمال شرق سوريا! حيث تحدث مارك إسبر وزير الدفاع الأمريكي مؤخرا عن تعزيز الوجود العسكري لبلاده في الحسكة وشرق دير الزور، وحماية هذه المناطق من الوقوع في أيدي عناصر تنظيم «داعش»، سواء الباقين منهم أو من فروا من السجون الكردية عقب الاعتداء العسكري التركي على مناطق الأكراد السوريين.

الحقيقة أن هذا التراجع يعكس غياب الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الملف السوري، فقرار البقاء في سوريا ليس تراجعا عن قرار التخلي عن الأكراد ودفاع الرئيس ترمب المستميت على هذه الفكرة، بل جاء فيما يبدو عقب إشارات المقربين منه إلى أن مناطق احتياطات النفط والغاز في سوريا قد تعود إلى النظام السوري أو تقع بين يدي روسيا وربما إيران أو تركيا، وربما هذا ما قصده الرئيس ترمب حين أشار إلى منع وقوع حقول النفط السورية بين أيدي تنظيم «داعش» أو «لاعبين آخرين مزعزعين للاستقرار».

الشواهد تشير إلى أن اتصالا هاتفيا قد جرى بين الرئيس ترمب وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، قد أعاد العلاقات بين الطرفين إلى مربع التعاون بعد اتهامات للولايات المتحدة بالتخلي عن الأكراد، الذين قبلوا بالعودة إلى الحاضنة الرسمية السورية خشية الوقوع بين يدي تركيا، ولكن عودتهم لم تستغرق سوى أيام فيما يبدو حتى عادوا مجددا إلى التحالف مع الولايات المتحدة مجددا، والانضواء تحت المظلة الأمريكية.

اللافت أن الإعلان الأمريكي عن العودة لحماية النفط السوري قد تزامن مع اتهامات وجهتها وزارة الدفاع الروسية بأن «النفط السوري ينقل إلى خارج البلاد تحت حراسة العسكريين الأمريكيين»، وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، في تصريحات نقلتها قناة «روسيا اليوم»، إن ما تقوم به واشنطن في سوريا هو «سطو ونهب على مستوى الدولة»، ما يعكس غضبا روسيا كبيرا من تراجع الولايات المتحدة عن قرار سحب قواتها والإصرار على البقاء ضمن المعادلة السورية وعدم ترك الأمور لروسيا بشكل منفرد.

وبغض النظر عن هذه الاتهامات وأثرها في معادلات التحالف داخل سوريا، فإن الواقع يؤكد أن الولايات المتحدة قد تراجعت عن قرار الانسحاب الكامل من سوريا، وأنها ستعيد ترتيب أوراق التحالف مع الأكراد خلال زيارة يتوقع أن يقوم بها قائد قوات سوريا الديمقراطية منظوم عبدي إلى واشنطن قريبا، وهي زيارة قد تؤجج التوتر بين تركيا التي طالبت واشنطن بتسليم عبدي إليها، والولايات المتحدة الأمريكية.

ومنذ بداية الاعتداءات العسكرية التركية على الأراضي السورية، كان انسحاب القوات الأمريكية من مناطق لا تقع ضمن تلك الموجودة بها احتياطات النفط السوري، التي تقع في شمال شرق وشرق سوريا (دير الزور والحسكة)، وهي مناطق بعيدة عن مناطق الصراع العسكري بين القوات التركية وقوات سوريا الديمقراطية، التي لا تزال تسيطر تماما على مناطق النفط.

ولا شك أن الإرباك لا يقتصر على الجانب الأمريكي، بل إن تملص أكراد سوريا من عودتهم للحاضنة السورية وقبولهم بالعودة مجددا للمظلة الأمريكية، يمثل تعقيدا جديدا لخارطة التحالفات على الأرض السورية، ولكن يبقى الخلاف التركي السوري عائقا أساسيا أمام وجود تحالف بين الطرفين لمواجهة القوات الكردية في الشمال السوري بعد أن نكصت بتعاونها مع النظام السوري، الذي تم بوساطة روسية استطاعت الجمع بين الطرفين في خطوة اعتبرها المراقبون انتصارا حيويا للنظام السوري، يمهد لاستعادة السيطرة على شمال البلاد وإنهاء الحكم الذاتي الكردي في تلك المنطقة الغنية بالنفط.

ومن المؤكد أن المنطقة النفطية السورية تسيل لعاب جميع اللاعبين في الساحة السورية، حيث تنتج نحو 300 ألف برميل نفط يوميا، وهي ثروة كبيرة يمكن أن تسهم في إعادة بناء سوريا بعد سنوات طويلة من الحرب، لذا من الوارد أن تفكر روسيا في دعم قوات النظام السوري في استعادة السيطرة على هذه المناطق من أجل تمويل عمليات إعادة الإعمار فيما بعد، فضلا عما لذلك من تأثير استراتيجي باستكمال السيطرة على الأراضي السورية وتحرير بقيتها من قبضة تنظيمات الإرهاب.

عادت الولايات المتحدة إذن إلى سوريا من بوابة حماية مناطق النفط، وعاد تحالفها مع القوات الكردية، ولكن الدولة السورية باتت هي الخاسر الوحيد مما حدث في الأسابيع الأخيرة، حيث أسفر الاعتداء العسكري التركي عن واقع ينظمه اتفاقان مع الولايات المتحدة وروسيا بشأن الوجود التركي غير المحدد الأمد في الداخل السوري، وهو ما يفاقم تعقيدات الأزمة السورية ويزيدها تشابكا.

@salemalketbiar