علي المطوع

هنا بيروت من بغداد

الجمعة - 01 نوفمبر 2019

Fri - 01 Nov 2019

في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 صدح المذيع السوري عبدالهادي بكار بالمقولة الشهيرة (من دمشق هنا القاهرة)، وذلك بعد أن عطل البث الإذاعي لإذاعة صوت العرب من القاهرة.

عند تذكر أبعاد هذه العبارة وإرهاصاتها ومناخاتها الفكرية التي قيلت فيها، نجد أن البعد العروبي كان يجتاح المنطقة ويظللها برموزه وإعلامه وأعلامه، وهذا يعني تجانسا فكريا وسياسيا وحد الخطاب العربي وإن لم يوحد دوله كمشاريع وحدوية.

اليوم وفي ظاهرة تعد مفاجأة لكل من راهن على البعد الطائفي ورأى فيه متكأ يخوله التنفذ والتسلط على المجتمعات العربية، بدأت بوادر حراك عربي جديد، حراك مبتعد عن الطائفية ودهاليزها الضيقة التي لم تنتج سوى الفقر والعوز والتخلف.

الشيعة العرب يصطفون خلف خطاب وحدوي يرى في الدولة القُطرية ضرورة ومشروع عودة قد ينتشلهم من الفقر وخطها الذي ضاع ولم يعرف لها مكان.

العراق ولبنان لهما رمزيتان كبيرتان عند الحديث عن هذا التغير الثقافي، فالمد الطائفي قد ابتلع كل مظاهر التعددية والشراكة الإنسانية، ناهيك عن مقومات الدولة الوطنية الوحدوية التي كانت في زمن مضى علامة فارقة في تاريخ البلدين وحراكاتهما السياسية.

الأمور بدأت تتجه إلى منحى آخر، وقد يكون هذا المنعطف المهم في الأحداث هو أول مفاهيم الانقلاب على الكيانات الطائفية بكل صورها، سواء كانت إقصاء أو محاصصة أو فرضا بالقوة، والدليل أن الشيعة العرب في البلدين العربيين وبأكثريتهم عددا وعدة يسعون إلى الخلاص من هذا الشكل الطائفي وإشكالاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

المنطقة العربية ومن خلال شعوبها ملت الوصاية الإيرانية أو لنقل الاحتلال الإيراني لعواصم عربية ضاعت هويتها، وصارت مجرد ولايات فارسية تصدر الأخماس خارج نطاق بلدانها وتقتات الفقر والذل والهوان ثمنا لكل ما تدفعه وستدفعه في قادم الأيام.

هذا الحراك الشيعي المؤطر بالبعد العروبي، المدفوع بألم العوز والفاقة، هو من جعل العروبة أولا هي من تشكل البعد الأهم في هذا الرفض الجمعي لواقع الحال وما آل إليه، الشيعة العرب كانوا يشتكون من عدم المشاركة السياسية في أنظمة سادت ثم بادت، وعندما جاءتهم بشائر التغيير والتمكين وجدوا أنفسهم خارج العربة، محسوبين هوية ورقما على هذه الأنظمة الديكتاتورية بعد أن اكتسبت شرعيتها منهم ومن دمائهم وتضحياتهم، وهنا يصل الأمر بالمواطن البسيط إلى أن يتحسر على زمن قريب كانت أحواله فيه أفضل وكان حضوره أظهر، وكان حجم تأثيره واضحا وجليا في مسارات الأحداث ومآلاتها.

المنطقة العربية وتحديدا بغداد وبيروت على موعد مع خيار عربي شعبي جديد، خيار ينظر إلى الأنظمة المحيطة المستقرة كمعايير يجب الاقتداء بها حذو القذة بالقذة على الأقل في هذه المرحلة، وإعادة تشكيل مفاهيم هذه الشعوب بناء على حاجتها الملحة للإصلاح، واستعادة قيمة الإنسان وقيمه وحاجاته التي تثبت الأيام والتجارب أن حصولها وحضورها لن يكون وإيران هي من يملك زمام الأمر في هذه البلدان.

@alaseery2