عبدالله المزهر

الحكمة المغتربة!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 30 أكتوبر 2019

Wed - 30 Oct 2019

الأمر الذي أنتظره هذه الأيام مع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات في العراق ولبنان على نتائج الخراب الإيراني هو أن يستيقظ أهل صنعاء، والحقيقة أن التمسك بشيء ثبت فشله في كل مكان أمر غريب غير مفهوم باعث على الحيرة.

لا يليق باليمن ولا باليمنيين أن يظهروا كمن يسير في اتجاه يهرب منه غيرهم بعدما جربوه وألفوه وعلموا حقيقته. الناس القادمون في الاتجاه المعاكس لطريقكم يخبرونكم أن نهاية الطريق بشعة، ولكنهم تتجاهلون الناصحين، هذا شيء يتنافى مع الحكمة، لكن يبدو أن الحكمة هي الأخرى قد هاجرت من اليمن تبحث عن حياة في مكان آخر كما فعل أغلب اليمنيين، وكما يحلم المتبقون منهم في اليمن الحكيم السعيد.

ولكن قبل أن يثور أهل صنعاء على العمائم المستأجرة فإنه لا بد من شيء من الصراحة التي لا تضر، وأظن أن سبب تأخر حسم الأمور في اليمن حتى هذه اللحظة هو أن كثيرا من اليمنيين يجدون أن استمرار هذه الأوضاع أنفع لهم ولمصالحهم الشخصية.

حين تتقاضى راتبا جيدا في هذه الحرب فإن التفكير في إنهائها يبدو أشبه بمن يحرق محله التجاري، أمر يتنافى هو الآخر مع الحكمة.

ومشكلة اليمن التي أراها أصبحت واضحة الآن ـ بالنسبة لي على الأقل ـ هي أن الساسة اليمنيين بكل أشكالهم وأنواعهم وأصنافهم، الموالين والمعارضين، والوحدويين والانفصاليين، ينظرون إلى اليمن كمشروع استثماري يدر أرباحا أكثر في الوضع الذي يعيشه الآن. وانتقلت هذه النظرة إلى تابعيهم وتابعي تابعيهم.

امتيازات ومرتبات وأوضاع مريحة هي كل ما يهتم لها «أغلب» ساسة اليمن ومن تبعهم، أما المواطن اليمني العادي فيدفع وحده ثمن كل ما يعانيه اليمن، وحده يجب أن يتعايش مع الموت والمرض والفقر والحاجة والعوز.

كثير من المناطق التي يتم تحريرها من قبضة الحوثي تعاد إليه بطريقة أو بأخرى حتى لا تنتهي هذه الحرب التي يغتني بسببها أقلية ويموت بسببها البقية.

أظن أنه من المهم قبل أن يوقع الساسة اليمنيون على أي اتفاق فيما بينهم أن يفكروا قليلا في مصلحة وطنهم، أن يتخلوا عن الأنانية التي تقتل غيرهم، أن يخلدوا أسماءهم في تاريخ اليمن كقادة انتشلوا اليمن من الضياع وأعادوه سعيدا حكيما، لأن الخيار الآخر هو مزبلة التاريخ التي يجتمع فيها كل الأنانيين الذين لم يكونوا يرون أحدا يستحق الحياة سواهم. وإن كنت أعتقد أن البعض لا مشكلة لديه أن يسكن في مزبلة التاريخ من الآن إن كانت تقدم تعويضات مجزئة.

وعلى أي حال..

قد لا يقرأ مقالي إلا أنا أثناء مراجعته السريعة وبضعة نفر لا أعرفهم، ولست سياسيا ولا أتكلم بلسان أحد من الخلق، ولتتخيل عزيزي السياسي اليمني ـ إن وصلك مقالي هذا ـ أن الوضع أصبح واضحا حتى لأمثالي من العاديين الذين لا يفقهون في أمور السياسة ولا الاقتصاد ولا يقرأ لهم أحد.

agrni@