ياسر عمر سندي

الإدارة بالمراوغة

الأربعاء - 30 أكتوبر 2019

Wed - 30 Oct 2019

تعددت المسميات والهدف واحد، وللإدارة في العصر الحديث كذلك مفاهيم عدة تختلف بحسب الأنماط البشرية نتيجة لتعدد الشخصيات الإنسانية المتذبذبة، وبحسب الدراسات والبحوث النفسية والاجتماعية، هنالك النمط السلبي الانتهازي والمتسلط العدواني، على النقيض من النمط الإيجابي الناجح والمسالم المتقدم، وبالتالي يصاحب ذلك الاختلاف والتعدد متغيرات ذاتية تظهر على الشخص كسمات تغلب عليه فتترجم على سلوكياته، وهذه السلوكيات في المحصلة النهائية تعد عاملا مؤثرا يتعدى على الغير إما إيجابا بالتطوير وبث الحماسة، أو ينعكس سلبا ويحدث ما لا تحمد عقباه، بالتجاوز غير اللائق وبث الإحباط والتثبيط بلبس الأقنعة وإظهار التصرف بنوع من التزلف.

والأنماط الشخصية في ممارسة العمل الإداري كذلك متعددة ومتنوعة، ولا شك أن العمل داخل منظومة واحدة يؤدي غالبا إلى بروز ذلك الاختلاف بسبب الفروق الفردية والتنشئة الاجتماعية، وهذا الاختلاف من المفترض أن يؤدي إلى إشباع الاحتياجات الحياتية بأساليب إيجابية واضحة وتكاملية، وليس بطرق ملتوية تفاضلية لينتفع شخص على حساب آخر.

ويحدث أن بعض مسؤولي الإدارات وممن يتولون زمام الأمور يطرحون مكنونهم النفسي بأنماطهم التعيسة، بحجة أن العمل الإداري يتطلب ذلك التلون في التعامل، ويحاولون تأكيد دعواهم وتكييفها بقوانين المنظمة وتفسيرها بلوائحهم الذاتية الفاسدة، فأصحاب النمط السلبي يستغلون من يقابلهم من أنماط شخصيات الموظفين الإيجابيين بإسقاط وممارسة سلوك «الإدارة بالمراوغة» عليهم، حيث ينطبق عليهم قول الشاعر «يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب».

والذين يتبنون هذا النمط في الإدارة العليا أو الوسطى يمارسون دور الإشراف على الإدارة المنفذة في قاع الهرم التنظيمي، ويتصرفون بسلوك الضبابية وعدم الوضوح، خاصة في إصدار القرارات والتوجيهات وطريقة إدارتهم للمعاملات والتعاملات مع العملاء الداخليين والخارجيين للمنظمة، وينشرون هذه الثقافة البائدة، وللأسف يتم تعزيزها في ظل غياب القوانين الصارمة والعقوبات الرادعة للمنشأة التي تجتث جذور هذه السلوكيات المتأصلة، وتؤكد الاختيار السليم للمنصب بمعياري القوة والأمانة، وتحد من معياري الشللية والمحسوبية.

وعلى سبيل المثال يمارس أحد التنفيذيين هوايته التي يتقنها وهي «صناعة الفِرار»، بالتفنن في إيجاد الأساليب والآليات لتطفيش الموظفين والضغط عليهم بإصدار قرارات مصيرية تمس مسارهم الوظيفي وتهدد مستقبلهم المالي، وفي الوقت نفسه يختلق ذلك التنفيذي المسببات والتبريرات لذلك القرار، بتصريحات واهية ودعاوى واهمة بأنها تصب في المصلحة العامة، بل يتملص ويتحايل بأسلوب اللف والدوران على الموظفين وإهمال حقوقهم، متناسيا قول الله عز وجل (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) سورة إبراهيم الآية 42.

وأرى من وجهة نظري السلوكية أن ذلك المدير أو التنفيذي يورث تصرفات المراوغة كسلوك يعززه سلبيا وينقله لمن يعقبه بما يسمى بالعدوى التنظيمية، وهم بالتالي يعتقدون أن ذلك السلوك هو الأسلوب الإداري الصحيح والأمثل في تسيير الأعمال وإنجازها، وهكذا تستمر القصة المأساوية، وما تورث النار إلا الرماد، فمن يتبنى هذه التوليفة من النمط الإداري المراوغ ومن يساندهم يتعاملون مع الموظفين على أنهم لعبة شطرنج يحركونهم كيفما شاؤوا ووقتما أرادوا لهدف مصلحي ونفعي خاص، ليتمكنوا من الاستحواذ على نفسيات الموظفين ومصائرهم ليصبحوا طوعا لتوجيهاتهم ورهنا لإشاراتهم، قال تعالى (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) سورة الأنفال الآية 30.

ولو استشعر كل موظف وكل مدير وكل مسؤول عِظم الآيتين الكريمتين السابقتين لاعتدلوا ومارسوا الإدارة بالاستقامة، ونظروا إلى المصلحة العامة قبل الخاصة، وأيقنوا أن التعامل مع الله أصل العبادة والرزق الحلال يصنع السعادة.

@Yos123Omar