فيصل الشمري

إردوغان وبوتين في سوريا

الاثنين - 28 أكتوبر 2019

Mon - 28 Oct 2019

الغزو التركي الذي أطلق عليه مسمى «عملية نبع السلام» يمثل بداية الفصول الأخيرة في الدراما المأساوية المستمرة داخل سوريا منذ 2014. وينبغي النظر إلى الحرب في سوريا والمصالح الجيوسياسية للكيانات المعنية والقوى الإقليمية والدولية في الوقت الراهن.

القوى الدولية لا يهمها أمر المأساة، ولكن المصالح التي توجه العوامل الإقليمية والجيوسياسية حاسمة لفهم سياق دخول أنقرة إلى الشمال السوري. الدولة السورية في حالة ضعف، تسيطر على قلب البلاد دمشق أما الأطراف فخارج السيطرة أو لا يوجد تأثير حقيقي لدمشق فيها، وتركيا سعت عمدا لاستغلال ضعفها، كما حدث في أوروبا في القرن الـ 19 عند استغلال القلب الألماني الضعيف من قبل فرنسا والنمسا وروسيا لتعزيز القوى الجيوسياسية وإظهار القوة. يمثل حال سوريا والعراق حاليا ما كانت عليه ألمانيا وقتها، وتمثل طهران وأنقرة وتل أبيب باقي الأطراف المستفيدة من هذا الضعف، في حين أن واشنطن وموسكو هما القوتان الخارجيتان المهيمنتان اللتان يحرك وجودها مصالحهما الجيوسياسية.

وفي هذا السياق يمكننا أن نبدأ في الحكم على ما إذا كان يمكن تحقيق أهداف أنقرة مع هذا الغزو؟ وما الذي سيعنيه على أرض الواقع داخل سوريا؟

أهداف إردوغان المعلنة من هذا الغزو هي توفير منطقة عازلة بين تركيا والمناطق الكردية في سوريا، للقضاء على تهديد الإرهاب عبر الحدود، ولإعادة توطين اللاجئين السوريين داخل هذه المنطقة.

المرحلة الأولى ستكون الغزو بوحدات مدرعة والمدفعية والغارات الجوية والمشاة برفقة الميليشيات العميلة والجماعات السلفية. ربما نجحت تركيا في هذه المرحلة، إذ لديها الوسائل للاقتحام والتوسع عسكريا، ومع ذلك لتحقيق أهدافها الأساسية تحتاج إلى أن تكون قادرة على فرض الاستقرار لفترة طويلة من الوقت بعد العمليات القتالية الأولية. سوف تقاوم الوحدات الكردية في شمال سوريا هذا الغزو، فالواقع بالنسبة للأكراد أفضل بكثير من البديل التركي حتى لو كلف ذلك التحالف مع النظام السوري، وهذا ما يحدث الآن.

في النهاية سيقاتل الأكراد من أجل منازلهم وحياتهم، لقد قاتلوا بالفعل ضد داعش وهزموه بمساعدة القوات الجوية الأمريكية، أهدافهم أكثر بساطة، عليهم أن يحتفظوا بما لديهم من أرض وأن يهاجموا خطوط الاتصال الخاصة بالجيش التركي. لذلك فإن أي توقعات للاحتلال السلمي وإعادة التوطين السلس للاجئين السوريين داخل تركيا إلى هذه المناطق مجرد حماقة.

وبالنظر إلى خيار المواءمة مع دمشق لمقاومة الغزو فقد أصبح واقعيا، وهذا السيناريو يواجه تركيا باحتمال الاضطرار إلى القتال ضد الجيش السوري وقوات حماية الشعب في الوقت نفسه. وأخيرا تم ضرب وكلاء تركيا البارزين داخل إدلب بضربات جوية دقيقة تشير بقوة إلى أن موسكو تساعد دمشق في استهداف أذرعة أنقرة. هل يمكن توسيع هذا ليشمل استهداف الوكلاء الأتراك أو السلفيين الذين يسيرون حاليا مع الجيش التركي؟ وهل ستستغل دمشق وموسكو هذه اللحظة كفرصة لمهاجمة إدلب؟

لذا فإن الأسئلة التي ستحدد النجاح الكلي للغزو هي: هل تستطيع تركيا السيطرة على هذه المناطق التي تسعى للسيطرة عليها؟ هل تستطيع تثبيتها لفترة طويلة من الزمن؟ هل تقدم حجة مقنعة لماذا يجب على الناس دعم الأتراك كغزاة بدلا من انحيازهم لمن يقاومون الغزو الخارجي الواضح؟

إذا أرادت تلبية رغباتها، فإن أنقرة تفضل استبدال النظام في دمشق. وترغب دمشق في استعادة سوريا بأكملها تحت حكم بشار الأسد. الجيش السوري الوطني الذي ترعاه تركيا يشمل جيش الإسلام، لواء السلطان محمد الفاتح، الجبهة الشرقية، لواء سمرقند، جبهة النصرة، وغيرهم. لقد قاتلوا في الباب وعفرين كذلك. هذه الجماعات لها ولاء لأنقرة وليس لدمشق. من الصعب أن نتخيل أن الأسد سيجلس مكتوف الأيدي بينما يجري إنشاء منطقة موالية لتركيا من الجهاديين في العمق إلى نهر الفرات، المنطقة التي كانت تديرها الولايات المتحدة التي تطل على المناطق التي يسيطر عليها النظام.

إذا كانت تركيا قادرة على تحقيق أهدافها الاستراتيجية، سيكون ذلك انتصارا مدهشا من وجهة نظر أنقرة، لكن تركيا غارقة في مستنقع، والتمرد في هذه المنطقة الذي سيستنزف ببطء القوات التركية المنتشرة داخل شمال سوريا، سيجعل العملية غير مستساغة سياسيا للشعب التركي. والأسوأ من ذلك هو أن تصبح تركيا متورطة في القتال مع وحدات حماية الشعب وسوريا وروسيا والوكلاء الإيرانيين.

في نهاية المطاف، في محاولة لإثبات تركيا سيطرتها على المنطقة، فإن ما هو على المحك الحقيقي ليس أقل من مستقبل القوة السياسية لإردوغان وحزب العدالة والتنمية في تركيا. أو عقد صفقة مع روسيا بموجبها تعطي فيها الأخيرة ضمانات بأن تسيطر على الأكراد ويعترف إردوغان بالنظام السوري وبدخوله إدلب. في كل الحالات الخاسر الأكبر إردوغان سياسيا في العالم العربي والداخل التركي.

mr_alshammeri@