زيد الفضيل

> الوقف صانعا لتنمية مستدامة

السبت - 26 أكتوبر 2019

Sat - 26 Oct 2019

أبانت نتائج الكتاب الإحصائي السنوي لعام 2017م الذي نشرته الهيئة العامة للإحصاء عن أن إجمالي عدد المساجد والجوامع في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية قد بلغ قرابة 100 ألف مسجد وجامع، كما بلغ حجم استهلاك المساجد من الطاقة الكهربائية ما يعادل 15 مليون برميل نفط سنويا، في حين بلغ إجمالي فواتير الكهرباء لمساجد المملكة نحو 8 مليارات ريال سنويا، وذلك بحسب ورشة عمل نظمتها الهيئة السعودية للمهندسين، وفقا لما نشرته هذه الصحيفة العام الفائت.

والواقع أن نسبة غير بسيطة من هذه المساجد والجوامع قد تم بناؤها على نفقة أهل الخير ممن أرادوا القرب من الله، وحتما لهم الأجر لنيتهم أولا، ولما بذلوه من مال وفير لبناء مسجد يليق بما أرادوه من قربى يتزلفون بها إلى خالقهم، وما أجمل تلك المساجد التي قاموا ببنائها، إذ تعجب من حسن تصميمها، وتندهش لضخامة عمارتها، ورونق زخرفها، وبهاء رخامها، وجمال أعمدتها، وقبل ذلك وبعده نعومة فرشها، وبرودة أجوائها، وما يمكن أن يتوفر فيها من خدمات مساندة كثلاجات الماء البارد، والمقاعد المتنوعة المتحركة والثابتة أيضا، ناهيك عن تلك المقرنصات الزجاجية التي تضيف جمالا إلى جمال، إلى غير ذلك مما يمكن أن يلاحظه المصلي، ولو تأمل قليلا لقدر أن نفقة كل ذلك قد فاقت المليون وأكثر من الريالات السعودية، ولا غضاضة في ذلك لدى المتبرع بالبناء، الذي يريد أن يتقرب إلى الله بأنفس ما لديه صدقة وقربى.

لكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهني دائما هو: أين الإنسان الذي أراد الله أن يتقرب إليه بالصلاة من كل هذا؟ بمعنى، هل اهتم ذلك المنفق بسخاء بحاجة هذا الإنسان الذي بنى المسجد وأنفق عليه من أنفس ماله لكي يدخل إليه ويصلي؟

لا أعرف في التاريخ

أن أحدا بنى وتوسع في بناء المساجد كما هو حالنا اليوم، ومن بنى تلك المساجد في الماضي قد أخذ في اعتباره تلبية متطلبات الإنسان قبل ذلك، فنجد أن منازل لطلبة العلم قد بنيت بجوار تلك المساجد، بل وأربطة للفقراء والمساكين قد تم تشييدها، إلى غير ذلك من أعمال البناء والتنمية التي تصب في خدمة الإنسان أولا وأخيرا، فهل راعى هؤلاء المنفقون هذه الأحوال حال سخائهم في بناء تلك المساجد والجوامع؟ مع الأسف الإجابة: لا، إلا من رحم.

لقد جاء نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليحرر مجتمعه في عبادتهم من أغلال القيد المكاني إلى حرية الفضاء الكوني، بقوله «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا»، وبالتالي فالأرض كلها مسجد للمؤمنين، فلماذا نقيد أنفسنا بمواضع محددة؟ هذا التوجه النبوي صاحبه الحض الشديد على الاهتمام بتلبية حاجات الناس، فتراه ينص على أن «من فرج عن مؤمن كربة فرج الله عنه كربة من كرب الآخرة»، إلى غير ذلك من الشواهد والنصوص، وبالتالي فما أحوجنا اليوم إلى أن نعيد مسار اهتمامنا الخيري، وندرك أن أفضل الصدقة ما كان في خدمة الإنسان، وتلبية احتياجاته، والرقي به.

إنه الوقف الذي نريد أن نزيد منه بين جنباتنا، وليت كل أهل المال يدركون أن خيرهم سيكون في إنشاء مؤسسات وقفية تتحدد مصارفها في خدمة الإنسان وقضاء حوائجه. وفي هذا الإطار لا يسعني إلا أن أشيد بأحد هذه الأوقاف، اذتي تبنت صاحبته خدمة هذا الإنسان، وأعني به وقف «الرفيف العلمي» الذي خصص لدعم تعليم طالبات وطلاب العلوم الصحية بوجه عام، عبر صندوق خاص بذلك.

حقا ما أجمل هذه القربى إلى الله، وما أعم فائدتها على المجتمع، فشكرا من الأعماق للواقفة الدكتورة عائشة المانع، ورجائي أن يقتدي بها العديد من رجال المال والأعمال.

@zash113