علي المطوع

الكتابة والشيخ جوجل

الجمعة - 25 أكتوبر 2019

Fri - 25 Oct 2019

عاد كاتبنا الأنيق الدكتور شاهر النهاري للركض في مضمار كتابي جديد قديم. عاد إلى مكة الصحيفة، وهو الذي غادرها قبل أربعة أعوام، مصحوبا بجملة من التساؤلات، بعضها نتاج التجربة وبعضها الآخر تمنيات وأمنيات بحال كتابي أفضل للكاتب والكتابة.

الكتابة في الصحافة حتى وقت قريب كانت مصدر فرح ودخل وحضور وتأثير، اليوم وفي زحمة المعروض الثقافي ما عادت الكتابة الصحفية تشغل الناس وتستوقفهم، كل ما تفعله هو شغلها حيزا في الفراغ الرقمي أو الورقي، ولكن ثقله غير محسوس إن لم يكن منعدما تماما.

الكتابة كانت الفعل الذي يشكل ردود الأفعال الأخرى، ويبعثها من سباتها ويؤججها لتصبح حالة من التثاقف في المجتمعات، تشكل ردود الفعل تلك حالات من المد والجزر للقبول بتلك الفكرة أو رفضها، اليوم ما عادت الكتابة تشكل الأفكار وما عادت الكتابة هي الفكرة المثلى للنشر والحضور والتأثير.

هناك كتابة تحت تأثير الحضور وهناك كتابة تشكل نوع الحضور، هناك كتابة تأصيلية على مستوى البعد والسبك، وهناك كتابة بلا بعد سوى أن تكون الشاهد على تردي حالة الذائقة لدى القارئ والكاتب.

شاهر النهاري يشتكي عوز الأفكار، وما الأفكار إلا نتيجة لحالة التثاقف والتلاقح التي تصنعها حراكات المجتمعات، ومن تلك الحراكات تنبت الأفكار.

اليوم نحت المجتمعات إلى توثيق حراكاتها عبر وسائل رقمية جديدة، كل له منبره، ومن تلك المنابر وبها أعيد تشكيل المجتمعات، وأعيدت تراتبية أفرادها ورموزها، فما كان زبدا أصبح متنا، وما كان يمكث في الأرض صادرته الأجيال الجديدة ووسائل الترفيه الحديثة.

الكتاب اليوم من أتعس الناس وأكثرهم قلقا وبؤسا، فتحت تأثير لماذا أكتب؟ ولمن أكتب؟ سؤالان يقدحان شررا في وجدان الكاتب والمرحلة، في ظل تغير القيم الفنية والإبداعية، أو في ظل تغييرها تحت تأثير الجديد وما استجد، كثير من الجديد لا قيمة له ولا وزن بمقاييس التقليديين والتأصيليين، ولكنه يظل العملة الرائجة بين الناس، خاصة الشباب الذين لم يعد تستهويهم قراءة مقالة في صحيفة ورقية أو أي وسيلة رقمية، فالوقت الذي يستغرقه الواحد في قراءة تلك المقالة هو عبارة عن لحظات من الاحتباس النفسي خلف خطاب قد يكون إنشائيا في زمن انتصرت فيه التقنية للخبر والمخبر والوسيلة الرقمية، والأخيرة صارت في متناول الجميع، وقد يكون خبرا بمقاييس الخبر، لكنه بلا سبق خبري أو معلوماتي، فالسبق يكون عادة في صورة أو تغريدة أو شريط أخبار حصري يركض عاجلا أسفل الشاشة التلفزيونية.

عزيزي الدكتور شاهر، كلنا ذلك الكاتب الذي كان وما زال شاهرا قلمه يتربص الأفكار ويترصدها، وما إن يجدها حتى يترجمها في مقالة صحفية تنشر وبعد النشر وفي زحمة الفضاء وتغير الأمزجة تذوب وتمّحي، لا أثر لها ولا خبر! ثم يطويها النسيان، لا ينتصر لها ولنا سوى العلامة الكبير الشيخ جوجل - أطال الله بقاءه - الذي أصبح ديوان الإنسانية وأرشيف خبرها وأخبارها.

alaseery2@