عبدالله المزهر

لكل جديد لذة!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 24 أكتوبر 2019

Thu - 24 Oct 2019

يحكى أن مسلما كان له جار نصراني، وكان يلح على هذا الجار في الدعوة إلى الإسلام، ثم إن ذلك النصراني بعد جهد من جاره وقناعة منه قد أسلم، ثم إنه بعد إسلامه أزعج كثيرا جاره المسلم لأنه يطرق عليه الباب في آخر الليل يدعوه إلى صلاة القيام، وفي أحد الأيام وبعد أن انتصف الليل سمع طرق الباب فنهض من فراشه متثاقلا وفتح الباب ثم نظر إلى جاره وقال له متنهدا والتثاؤب يأكل حروف كلماته: هيييه، لكل جديد لذة!

وكلكم ـ أو بعضكم ـ قد مر في حياته ذلك الصديق الذي تعلم لعبة «البلوت» للتو، ثم أصبحت أوراق اللعب لا تفارق جيبه. ويقضي جل وقته يبحث عن ثلاثة ليكون رابعهم حتى لو كان لا يعرفهم ولا يكاد يفقه ما يقولون. وتجده يصر على جمع الأصدقاء في كل وقت وفي كل حين ويحث على التواصل والالتقاء، وتراوده نفسه أن يخرج الورقة من جيبه حتى لو كان في صيوان عزاء.

وربما مر في حياتكم ذلك الرجل الذي لم يكن يفكر في الرياضة ولا في كرة القدم طوال حياته ثم اشترك فجأة في قنوات رياضية لأول مرة، وبدأ يزعج جلساءه بالحديث عن تاريخ كاتلونيا النضالي، وهو الذي كان يعتقد إلى سنوات قريبة أن «برشلونة» اسم مطعم أو محل لبيع الأحذية.

اللذة التي يشعر بها المستجد تزعج المحيطين به الذين خبروا الأمر الذي استجد عليه وعرفوه قبله. ولكنها أمر طبيعي ويحدث في كل مجال، ثم ما يلبث المستجد أن يصبح خبيرا ويتحول إلى كائن «طبيعي»، يضع الأشياء في حجمها وسياقها الحقيقي.

وهذا أمر مطمئن للذين يخافون من «المنفتحين الجدد»، الذين ينكرون على غيرهم التقصير في إظهار البهجة بالانفتاح، ووصل الأمر ببعضهم ـ نسأل الله السلامة ـ إلى تخوين كل من لم يبتهج بحفلة هنا أو فعالية هناك، وأن ذلك دليل على ضعف ولاء وقلة حب للوطن.

ولعلكم شاهدتم بعض المقاطع التي تبين بعض الانفلات الأخلاقي والسلوكي، وهذا أمر أظنه طبيعيا وفي سياقه، إنه يشبه فورة علية المشروب الغازي بعد فتحها، تفور بشكل قوي ثم تهدأ بعد فترة.

لأنه ليس بمقدور أحد مهما اختلف مع فكرة «الانفتاح» أن ينكر أن المجتمع كان يعاني من كبت مبالغ فيه، ولكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ومعاكسة له في الاتجاه، ولذلك فإني أتمنى أن تكون ردة الفعل هذه وقتية وتنتهي، حتى لا تنشأ عنها ردة فعل أخرى معاكسة في الاتجاه هي الأخرى، ثم تضيع حياة الناس بين ردات الفعل المتبادلة.

وعلى أي حال ..

يسألني البعض عن رأيي في أنشطة هيئة الترفيه ـ بحكم أني مؤثر كما تعلمون ـ والحقيقة أني لست ضدها بالمجمل، بل أميل إلى أن تكون فعاليات دائمة في كل المدن وألا ترتبط بموسم محدد ومكان محدد، وأن تتحول هيئة الترفيه إلى شركة مساهمة تابعة لصندوق الاستثمارات، لها استثمارات داخلية وخارجية، صحيح أني قد لا أحب وجود بعض الفعاليات، لكن هذه أمور تحدث وليست مبررا لرفض كل شيء. أنا مع الترفيه ومع نقد الترفيه ومع ارتكاب الأخطاء وتصحيحها. ومع الحياة حتى يكون للموت رأي آخر.

agrni@