سيناريوهات أمريكية لاستفزازات إردوغان

الولايات المتحدة تأخذ نهجا جديدا وبدأت تطبيق عقوبات مؤجلة على تركيا ترمب وقع أمرا تنفيذيا لمنح سلطات واسعة للخارجية والخزانة لوقف العدوان الكونجرس يجهز لسلسلة قرارات ستؤثر على الأشخاص والكيانات التركية مجلس الشيوخ يستهدف الرئيس التركي نفسه وقائمة من وزرائه المؤثرين
الولايات المتحدة تأخذ نهجا جديدا وبدأت تطبيق عقوبات مؤجلة على تركيا ترمب وقع أمرا تنفيذيا لمنح سلطات واسعة للخارجية والخزانة لوقف العدوان الكونجرس يجهز لسلسلة قرارات ستؤثر على الأشخاص والكيانات التركية مجلس الشيوخ يستهدف الرئيس التركي نفسه وقائمة من وزرائه المؤثرين

الاحد - 20 أكتوبر 2019

Sun - 20 Oct 2019

في أعقاب غزو تركيا لشمال سوريا في 4 أكتوبر الحالي، اقترح قادة الحزبين السياسيين الأمريكيين الرد بعقوبات اقتصادية ومالية.

وكان التهديد بالعقوبات الاقتصادية والمالية لردع تركيا أو إكراهها أو معاقبتها خبرا متكررا منذ تولي الرئيس دونالد ترمب مهام منصبه، وهناك عقوبات معلقة لشرائها معدات عسكرية روسية؛ حيث يمكن سحب الإعفاءات المفروضة على مبيعات النفط الإيراني إلى تركيا. وبدأت أمريكا في تنفيذ عقوبات طال انتظارها لبنك هالك التركي الذي تهرب من العقوبات الأمريكية على إيران.

يعكس الاتجاه الأخير نحو فرض عقوبات على تركيا الصراع داخل الحكومة الأمريكية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية من أجل السيطرة على السياسة الخارجية بقدر ما، إن لم يكن أكثر من ردود الحكومات على الظروف الأمنية الدولية الحقيقية، بحسب تقرير من معهد بحوث السياسة الخارجية.

استفزازات إردوغان

خلال الأسابيع التي سبقت عملية الاجتياح التركية للأراضي التي تحتلها القوات الديمقراطية السورية المدعومة من الولايات المتحدة، كانت إدارة ترمب تحمي أنقرة من العقوبات والغرامات التي كان من الممكن فرضها، تتويجا لاستراتيجية أمنية أمريكية غير متجانسة في سوريا، مما أدى إلى انسحاب الجيش الأمريكي من الشمال الشرقي قبل الهجوم التركي وأثناءه، لكن الرئيس الأمريكي واجه ضغوطا كبيرة للرد على استفزازات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وعلى الرغم من الآثار الاستراتيجية طويلة المدى المترتبة على الإفراط في استخدام العقوبات أو إساءة استخدامها، فإن التأثير المباشر والملموس على الولايات المتحدة سيكون الخيار المشترك لقضية السياسة الخارجية الخطيرة من خلال استمرار التنافس داخل الحكومة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

تداعيات الغزو التركي

بعد أشهر عدة من الإعلان عن قرب الغزو التركي في شمال سوريا، شرق نهر الفرات، أرسل إردوغان قراره للجيش التركي، مدعيا طرد جماعة متمردة سورية في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.

قبل الغزو أمرت الولايات المتحدة بنقل القوات الأمريكية المتمركزة على طول الحدود التركية السورية، وفي مكالمة هاتفية في 6 أكتوبر بين الرئيسين ترمب وإردوغان، زعم الثاني أن الرئيس الأمريكي أعطى موافقته على تنفيذ العملية التركية.

وبسبب النجاح المبلغ عنه للشراكة بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية في عملية داعش التي مدتها خمس سنوات، فإن عددا من المعلقين، بمن فيهم المسؤولون العسكريون والمدنيون والناشطون والمتقاعدون، انتقدوا بشدة القرار الذي يعدونه جماعيا «التخلي عن» الجماعات الكردية في شمال سوريا.

وكان رد ترمب على هذا الاحتجاج هو الإعلان عن تهديدات بفرض عقوبات صارمة على تركيا، إذا انحرفت العملية العسكرية عن رؤيته الشخصية للصلاحية، وأدان ممثلون منتخبون من مجلسي الكونجرس الأمريكي الغزو التركي، ولا تزال مقترحات فرض عقوبات تشريعية في انتظار إجراء الكونجرس.

عقوبات أمريكية منتظرة

وقع ترمب على أمر تنفيذي في 14 أكتوبر الحالي باستخدام سلطات الطوارئ لمنح سلطة واسعة لوزراء الخارجية والخزانة لمنع الممتلكات وتعليق الدخول إلى الولايات المتحدة للأشخاص والكيانات الأتراك الذين «يهددون السلام والأمن أو الاستقرار أو السلامة الإقليمية لسوريا»، وأعلن عبر تويتر أن الولايات المتحدة ستزيد مرة أخرى من سعر التعريفة الجمركية على الصلب المستورد من تركيا وستتوقف فورا عن المناقشات الثنائية حول صفقة تجارية.

وقدم الكونجرس نوعين من المقترحات، حيث يملك مجلس النواب مسودة كاملة من المحتمل أن يتم تقديمها في قاعة المجلس عند العودة من العطلة، برعاية مشتركة من قبل النائبين إليوت إنجل ومايكل ماكول، ولدى مجلس الشيوخ أيضا اقتراح بعقوبات معلقة، سيقدمه السناتور ليندسي جراهام وكريس فان هولين، ويعد في مرحلة الصياغة رغم وجود تصريحات إعلامية عنه.

وتشمل الاقتراحات جدولا زمنيا محددا لتنفيذ العقوبات وفقا لقانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات، ولا يرتبط بند اتفاقية التجارة في الخدمات المنطقية ارتباطا منطقيا بالغزو التركي، إلا أن تنفيذ العقوبات قد يؤثر على بعض الأشخاص والكيانات نفسها التي ستشملها العقوبات الخاصة بالغزو.

ويقوم ممثلو الكونجرس بإدراجها في مسوداتهم لأنهم لم يتمكنوا من إجبار إدارة ترمب على التصرف بناء على عقوبات إلزامية من خلال تشريعات أخرى، وهم يستغلون هذه الفرصة لتقييد الإدارة بالإجراءات الثانوية التي تدعم نظام العقوبات المناهض لروسيا.

استهداف إردوغان نفسه

يتضمن مخطط مجلس الشيوخ عقوبات مستهدفة ضد إردوغان وقائمة بالوزراء الأتراك، بينما تحدد مسودة مجلس النواب المزيد من القيادة العسكرية.

ويتطلب كلا الإصدارين من السلطة التنفيذية إعداد تقرير عن القيمة الصافية لإردوغان، فمشروع قانون مجلس النواب يذهب أبعد من ذلك في ثلاثة مجالات، وهي:

  • أولا: تقارير حول كيفية قيام إدارة ترمب بمساعدة الأكراد السوريين وتكييف عمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة.

  • ثانيا: توجيه كتلة الأصول ضد بنك هالك.

  • ثالثا: انسحاب الأتراك من جميع الأراضي السورية، ليس فقط في الشمال الشرقي، ولكن أيضا من محافظة عفرين المحتلة منذ يناير 2018 بسبب عملية غصن الزيتون في تركيا.




ويشير مشروع قانون مجلس النواب إلى أن الأعضاء تعلموا من التجربة السابقة مع ترمب، وأن العقوبات ستعالج عملية التهرب المحتمل، حيث يتضمن المشروع أحكاما لإلغاء إمكانية التنازل أو تأخير إجراء العقوبات، كما أنه يلغي سلطة ترمب في استخدام صلاحيات الطوارئ للتحايل على متطلبات الإبلاغ عن قانون مراقبة تصدير الأسلحة.

سلسلة الأزمات

العقوبات لا تتعلق فقط بالرد على الغزو التركي لشمال سوريا، ولا بفصل السلطات الدستورية، وإلى حد ما إسناد المسؤولية عن كيفية وصول العلاقات الأمريكية التركية إلى هذه النقطة المنخفضة.

يعد الغزو التركي مثالا آخر خلال السنوات الأخيرة التي تشير إلى الاعتماد على المسار نحو زعزعة الاستقرار في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا، حيث أدى التجاهل الصارخ لتفضيلات السياسة الخارجية لبعضها البعض إلى سلسلة من الأزمات:

  • ابتداء من صيف 2018 ساهمت السياسة التجارية الأمريكية في أزمة العملة في تركيا.

  • شهد خريف 2018 قيام الحكومة التركية بالتهرب من العقوبات المفروضة على بنك هالك المملوك للدولة، تلاها الاحتفال بالمدير التنفيذي للبنك عقب إطلاق سراحه من السجن الأمريكي وكأنه بطل قومي.

  • في صيف 2019، تسلمت تركيا أنظمة الدفاع الجوي S-400 من روسيا بعد أكثر من عام من التحذيرات الصاخبة حول الأضرار التي قد تسببها هذه الخطوة.




جاء وقت العقاب

تعاونت السلطتان التنفيذية والتشريعية في الولايات المتحدة لإنتاج سياسة مشوشة لا يمكن إنكارها تجاه تركيا، حيث تخطت أنقرة مرارا العتبات الرئيسة في علاقتها الثنائية ونجت من العقوبات المتوقعة.

عملت الولايات المتحدة عن كثب مع قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة داعش رغم سنوات من الاحتجاجات المستمرة من الأتراك، ويتحمل كلا الفرعين الحكوميين الأمريكيين مسؤولية الاستراتيجية غير المتوافقة تجاه تركيا.

ولم يتوقف عمل الحكومة التركية على انتهاك سياسة الولايات المتحدة في عدد من المجالات، ولكن الكونجرس أيد أيضا هذه المناورة من خلال السماح بمبادرتها والإشراف على الأمور السابقة.

الوضع اختلف الآن، غزا الجيش التركي شمال سوريا، ويريد كل من الكونجرس وترمب ضمان أن يصدم إردوغان، على الرغم من تخفيفه مرارا وتكرارا للضربة في الماضي عندما تحدت تركيا تفضيلات السياسة الخارجية الأمريكية.

والأسوأ من ذلك أن إردوغان اعتمد على علاقته مع ترمب لإبطال مبادرات الكونجرس التشريعية ضد تركيا، حتى عندما كان كلا المجلسين والحزبين على استعداد للتعاون بشأن قضية مثل أزمة F-35 / S-400 قبل بضعة أسابيع.

الخطوات الأمريكية التالية

من غير المرجح أن يتباطأ الغزو التركي أو يتوقف بشكل كبير بسبب العقوبات التنفيذية الجديدة، وبينما تعد تركيا عميلا كبيرا للمبيعات العسكرية الأجنبية للولايات المتحدة، فقد التزمت أنقرة بتوفير غالبية احتياجاتها العسكرية من خلال الإنتاج المحلي.

كما أن السياسة التجارية لا تمنح واشنطن عصا كبيرة بما يكفي للتأثير على العملية بشكل مباشر، إذ يبلغ حجم التجارة الثنائية السنوية 25 مليار دولار (اعتبارا من بيانات عام 2017)؛ وتعافت البنوك التركية منذ نقص العملة الأجنبية العام الماضي؛ وانخفضت واردات الصلب الأمريكية من تركيا بنسبة 75% منذ فرض الضرائب عليها في البداية.

وبدلا من ذلك، يبدو أن الأمر التنفيذي يمثل محاولة لعزل ترمب عن انتقادات الكونجرس، ومنحه ذريعة لاستخدام حق النقض ضد مشروع قانون العقوبات الذي يشتمل على بند اتفاقية التجارة الدولية إذا تم إقراره، وخلق ورقة مساومة يمكن أن تستخدمها الإدارة في المستقبل، من خلال مفاوضات النار والسلام. فإن أي خطوة جادة لفرض عقوبات على تركيا بسبب الغزو يجب أن تشمل الاتحاد الأوروبي، الذي تربط أنقرة به أكبر علاقة تجارية.

ومن المفارقات أن الاتحاد الأوروبي يعلق مبيعات الأسلحة إلى تركيا، والتي ستكون غير فعالة نسبيا لأن أوروبا تبيع أسلحة قليلة نسبيا مقارنة بالولايات المتحدة، وقد وسعت تركيا قدراتها الإنتاجية المحلية.

سيناريو العقوبات المنتظر


  1. حشد الحزبين الجمهوري والديمقراطي للرد المنسق على الغزو التركي.

  2. منع ترمب من استخدام حق الفيتو لإلغاء العقوبات المنتظرة.

  3. إحياء العقوبات السابقة بشأن شراء تركيا أنظمة سلاح S-400 من روسيا.

  4. اعتبار العقوبات التنفيذية الحالية بمثابة رد قوي على الرغم من قلة تأثيرها.

  5. التحذير من أن الصمت على تركيا سيضعف شخصية أمريكا أمام العالم.

  6. التأكيد على أن الوضع الحالي الأمريكي لا يخدم السياسة الخارجية.