محمد أحمد بابا

الإلحاد المؤقت

السبت - 19 أكتوبر 2019

Sat - 19 Oct 2019

سواء كان الإلحاد إنكار وجود الإله أو عدم الإيمان بوجوده كفاعل في هذه الدنيا تخضع له الكائنات، فإن إزاحة مفهوم الديانة جانبا هو أمل كثير من الذين ينخرطون في نقاش وقائع أو أفكار أو فلسفات مستجدة.

ومع ذلك نجد في العلمانية ذات الفعل ولو بشكل قطعي حين تفصل الدين عن الحياة، ليكون الفكر والتعاطي البحثي مع القضايا الدنيوية خارج إطار التدين أوالانتماء الأيديولوجي، مما جعل الإلحاد المؤقت يطفو على السطح خيارا أوسع من ذي قبل.

بعض الأسئلة الملحة لدى كثيرين تتعلق بالنص الديني أو الحكم الشرعي لم تصادف إجابة ترقى في الطرح لجذب انتباه السائل، وهذا أدى للنزعة الإلحادية غير المقننة، بل وغير المنطقية بالشكل العلمي لمفهوم الإلحاد.

وربما من الخطأ ربط الردة كمصطلح شرعي إسلامي بالإلحاد المؤقت، إلا إذا رغب أوصياء بفضفضة جلباب الردة تركا للاعتقاد أو الممارسات.

من هنا نلاحظ أن اعتناق الأفكار ربما لا يعني بالضرورة اعتناق المعتقد، وكذلك فإن اعتناق معتقد ليس دليلا حتميا على الوثوق بكل الأفكار المطروحة في محوره، خاصة تلك الموروثة عبر التاريخ دون مساس تفكيكي دراسي.

في مجادلة كلامية بين اثنين ربما يقول أحدهما للآخر «اترك الدين جانبا» لكسب نقاط في فلسفة محاورة تستند على قواطع بيانات مادية، وربما قال آخر لصديقه وهو يحاوره «ليس لله دخل في هذا الموضوع»، راغبا في جعل الحديث منصبا على الحوادث دون سببية المحدث الأول.

كل ذلك له ما يفسره من اتجاهات النفوس حين النقاش نحو التفكير الذي يعتقدون بأن مفهوم الديانة يحدده أو يحد من انطلاق آفاقه نحو فرضيات واحتمالات تسهم في نتيجة، فالإلحاد المؤقت في ثنايا المراجعات وجلسات الحوار يأخذ منحنى التجرد، رغبة في الحيادية، وليس إنكارا اعتقاديا ينطوي عليه القلب.

وهنا مشكلة في حاجة لإجابة، وهي أن مرجعيات الدين جعلت الشرك باللسان مثل «ما شاء الله وشئت» شركا، وإن كان أصغر وأقل من شرك الاعتقاد، وذلك يقودنا للاعتراف بأن هذا حتما هادم لنظرية الإلحاد المؤقت دون ملامة دينية.

الخلط بين مفاهيم اللا دينية والإلحاد والعلمانية جعل بعض من ترك دينه الإسلامي بمحض إرادته يلبس ثوب الإلحاد باعتباره أخف وطأة إعلاميا من بقية المصطلحات المشابهة، وربما خوفا من لباس ردة تعني الكثير في البحث الإسلامي، ومع ذلك فإن ذات من صنف نفسه ملحدا ربما هو للفرار بتساؤلاته للمجهول أقرب، رغبة في الانعتاق من صورة ذهنية عن الالتزام الديني.

وهنا نحتاج لعامل الزمن في العقلية الإلحادية الظاهرية بين وقتية في الجدل ووقتية لحين الوقوف على جواب لسيل الأسئلة في أذهان شباب وشابات وصمناهم بالإلحاد، ليقودنا ذلك لطلب مستحق من الخطاب الديني تمحيص المسألة فكريا حتى لا يكون كل من سأل عن السبب ملحدا.

الحاجة ملحة لأن تتسع طاولة الحوار الاجتماعي والأسري والتعليمي والأكاديمي لمزيد من تفتيش وراء التساؤلات المستحقة والملاحظات الثرية حول كثير من قضايا التشريع، احتواء لقيمة معرفية كبيرة هي (وسطية هذا الدين) جمعا للكلمة، وبحثا عن قواسم مشتركة لا قواصم معتركة.

وسم وجهات النظر المختلفة بأنها خلاف ديني رغم خلوها من الاستدلال طريق الباحثين عن إلزام الخصم بما لا يلزمه منطقا، وتجريد الاختلافات في الممارسات الحياتية من صبغة الاستدلال الديني طريق الباحثين عن إلزام المتدين بنظريات الفلاسفة والمتكلمين، والطريق بين هذا وذاك إلحاد مؤقت ينقشع بالحكمة التي هي مادة الخير الكثير لمن أوتيها.

albabamohamad@