علي المطوع

اخرج من السياسة

الجمعة - 18 أكتوبر 2019

Fri - 18 Oct 2019

كعادته يضع مقاله في حالته (الواتسية) خلال الأربع والعشرين ساعة اللاحقة، يصل تعداد المشاهدات إلى المئات، وقليل منهم من يقرؤه ناهيك عن فهمه وإدراك أبعاده ومعانيه.

يتصل به أحدهم ويرجوه (متزلفا) أن يترك السياسة كونها منزلقا خطيرا جدا، وهو يرى كاتبه المفضل - كما يقول - قد تمرغ فيها ظهرا لبطن، يجيبه صاحبنا: أنا لم أدخل السياسة لأخرج منها!

عندما تكتب عنوانا سياسيا يشخص حالة من الحالات التي نعيشها في محيطنا الإقليمي، فهذا لا يعني أنك سياسي محنك، ولا يعني بالضرورة أن ما تكتبه سيثير الدنيا ويقيمها أو يقعدها، فما تكتبه يظل وفي زحمة الإعلام القديم والجديد وفضاءاتهما المختلفة، كوقع دبوس صغير على كومة من الأوراق في غرفة أو صالة يتشارك الجلوس فيها عديد من الناس.

الكتابة في الشأن السياسي للكاتب المغمور أو المشهور ليست في حقيقتها بحثا عن الشهرة كما يعتقد العامة، أو الأضواء كما يظن أشباههم، ولكن في بعض الأحيان تعز الفكرة على الكاتب فيبحث عنها يمينا وشمالا، فلا يجدها، ثم يفتح التلفزيون فيجد القنوات الإخبارية هي أكثر القنوات فاعلية، فكل يوم خبر، وبعد الخبر يأتي ما وراءه، وما أمامه وما فوقه وما تحته، وهنا يجد الكاتب المحدود على مستوى الأفكار وسرعة تجليها وتجلياتها أن عقله الباطن قد امتلأ بكثير من صنوف الأفكار والعناوين، التي تجعله يكتب مقالا سياسيا محكم (الإنشائية) حول الأزمة الكورية الأمريكية، ونوايا ترمب تجاه إيران، وجلسات مجلس العموم البريطاني وما يشوبها من توتر ببن المحافظين والعمال، وقضية البريكست وتأثيرات تمامها على الوحدة الأوروبية وشعوب تلك الدول!

وفي السياسة فقط، تحضر المصطلحات التي تملأ الفم وتجري على الورق مجرى العين والبصر، فالترويكا لغة واصطلاحا تجعل أي كاتب يصنف من النخبة، مما يجبر قراءه على الهروب من المقالة ووقعها على أعينهم، فاللفظ غريب وفيه شيء من التغريب الذي يريح نفس الكاتب ويجعله يؤمن أنه قد كتب المقالة الأكثر وقعا على القارئ ووقوعا في متاهات النسيان، والتي ترفع عن الناس حرج فهمها وتدبرها.

بقي هنا شأن آخر وربما أخير، وهو أن الكتابة في السياسة لا تجعلك تواجه المجتمع وقضاياه الساخنة، فالأيام تثبت أن السياسي في بلاد العرب وبسلطاته وسلطانه أكثر تسامحا من المجتمع بنخبه ودهمائه، فقد تكتب رأيا اجتماعيا لا يروق لقلة أو كثرة، فجأة تجد نفسك وقد أصبحت عنوان وسم تويتري يمطرك فيه كل متردية ونطيحة بشتى أنواع السباب وأقذعه وأقذره وأقدره على إخراجك من طور وإدخالك أطوارا أخرى من قلة الأدب، في حين أنك إن كتبت رأيا سياسيا تحليليا عن قضية من القضايا التي تدور حولنا وأخطأت التقدير قراءة وليس موقفا، فإن أرباب هذا الكار قراءة وكتابة، لن (يهشتقوك) ولن يسخروا منك علنا، كل ما في الأمر أنهم سينقسمون في ردود أفعالهم الصامتة تجاه ما كتبت إلى فريقين، فالكاتب الكبير منهم سيقول كما قال المتنبي: ويسهر الخلق جراها ويختصم. أما القارئ الحصيف المحترف فسيكتفي بابتسامة صفراء فاقع لونها ويقول: آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه.

alaseery2@