فهد عبدالله

نزعة التنوع والموضوعية

الخميس - 17 أكتوبر 2019

Thu - 17 Oct 2019

قد يقرأ الإنسان كتابا أو يستمع لأحاديث ذات شجن عن التسامح وكيفية التعايش وقبول الآخر، وقد يردد أهمية ذلك داخل النفس، وبعد ذلك وعند أقرب موقف تصحبه نكهة ذات اختلاف في العادات والتقاليد أو حتى اختلاف في طريقة التفكير وقد تصل لمنطقة المذهب أو الديانة؛ حينها قد تجد أن هناك نوعا من التصرفات الانكفائية تجاه الآخر، وقد تتطور نحو الاستغراب أو حتى تتقولب بنظرات الشزر، لذلك كان هذا المفهوم وغيره من المفاهيم السلوكية تبقى في حيز الفكر ما لم يكن هناك انتقال حقيقي به من خلال التطبيق والترجمة السلوكية.

ومن التجربة والمشاهدات من خلال الآخرين وجدت أن السفر والانخراط في البيئات الاجتماعية المختلفة قد يفعلان في جانب التعايش والتسامح لدى الإنسان ما لا تفعله التتبعات النظرية في هذا الجانب، وعندها سيقل الأثر السلبي الذي عادة يرسخه تشرب العادات والتقاليد، والجزم بأن ما عداها خارج عن السوية الإنسانية المقبولة.

ما تكرسه التجارب والتطبيقات في جانب التعايش مع الآخر سيضفي على الحياة جمال التنوع والاختلاف كألوان الطيف التي تظهر في السماء بعد تداخلات أكوام السحاب، وكأنها تعبر عن الأصل والسنة في هذه الحياة أن يكون هذا الاختلاف والتنوع ويكتمل ذلك الجمال حسنا بتألق التعامل مع هذا الاختلاف، بالقبول والاحترام والتفهم وزيادة مساحات العمل المشتركة القائمة على جمال هذا التنوع والاختلاف.

والتسامح مع تلك الثقافة المختلفة لا يعني الانغماس فيها بقدر ما يكون هناك تفهم وقبول لوجودها، ولا يمنع الاستفادة منها والمحافظة على الهوية التي تشكل الإنسان كما يقول غاندي «أرحب بكل الثقافات التي تهب على بيتي ولكني أرفض أن تقتلعني رياحها»، لذا كان الانفتاح على العالم بما فيه والمحافظة على الهوية من تمام الحكمة التي تزيد من مؤشرات التسامح والرحمة والتعاون والعكس أيضا صحيح. وهذه الطريقة في النظر والانخراط في البيئات الاجتماعية المختلفة وصفة ربانية ذكرت في القرآن الكريم «قل سيروا في الأرض فانظروا..»، وكأن هذه التركيبة في المعادلة لن تكون متزنة إلا من خلال هذا الطريق الذي يرسخ أهمية التحاور والتعارف لدى الشعوب والقبائل المختلفة، وستفضي هذه المعادلة إلى أهم تلك النتائج المتعلقة بالنظر الموضوعي للأمور دون الاهتمام بقرب أو بعد قائلها، فميزان الأمور أصبحت دقته بعد السياحة المعرفية المتراكمة في الكون والبشر مناطها الإنصاف والموضوعية وعدم الحكم من خلال زاوية الأعراف الاجتماعية التي وجدنا عليها.

الحكماء الذي فهموا هذه الأبعاد يعبرون عنها بعبارات خلدها التاريخ، كقولة فولتير الشهيرة «قد أختلف معك في الرأي ولكنني على استعداد أن أموت دفاعا عن رأيك»، وكذلك كان ألفرد سلون يؤجل الاجتماعات التي يرى فيها إجماعا على الاتفاق إلى جلسة أخرى، أملا في أن تظهر بعض الآراء المختلفة، لإيمانه بأن الاختلافات أكثر ثمنا وجودة للمخرجات، وليست إزعاجا أو تأخيرا في الإنجاز.

التباين في الأفكار والتعامل معها بالاحترام والصدقية في الاهتمام يجعلان هذه الكيفية متحضرة جدا، قد تفوق أهميتها تحقيق النتيجة المرجوة، لأنها بمثابة استدامة ناجحة في إدارة التنوع والاختلاف لكثير من الأعمال المستقبلية، فضلا عن الآثار الحميدة التي تنحتها في شخصيات أصحابها، مثل التواضع والعمل الجماعي وإشاعة المحبة والإيجابية.

fahdabdullahz@