عبدالله المزهر

السكوت بصوت مرتفع!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 16 أكتوبر 2019

Wed - 16 Oct 2019

الحقيقة التي لا بد من الاعتراف بها أني أكره كثيرا أن ينتقدني أحدهم، وأجد مشكلة في تقبل أفكار ولا شخص كل من ينتقد أي عمل أو قول يصدر عني، ولكن الجميل في هذا الطبع أنه طبع غير متعد، ضرره لا يتعدى أعصابي وبعض الآلام في القولون. والغريب في الأمر أيها السادة والسيدات أني في ذات الوقت أشعر بالامتعاض من عدم تقبل انتقاداتي للآخرين، ويزعجني كثيرا الذي لا يتقبل آرائي برحابة صدر مهما كانت قاسية وهجومية.

لكن المطمئن في هذه المعضلة أن كل الناس كذلك، يكرهون أن ينتقدهم أحد، ويضايقهم عدم تقبل الآخرين لانتقاداتهم. والحق أن هذا قد خفف شعوري بالغربة، فالموت مع الناس رحمة كما يقال. وأظن أنه من المناسب أن نعترف جميعا أننا كلنا ذلك المتعصب لآرائه التي يزعجه أن تمس، وسيكون جميلا أن يلي ذلك الاعتراف أن نتفق على جعل الأمر لا يتعدى الانزعاج.

مسألة إلحاق الضرر بمن لا يعجبنا رأيه أو السعي إلى ذلك واستعداء الآخرين عليه تبدو فكرة غير بشرية تماما. ولكن الحكومات والمؤسسات والكيانات ليست أفرادا، ومن أهم أسس النجاح لأي منظومة أن تبحث عن أخطائها وتسعد بمن يقدمها لها ويدلها عليها.

ولذلك تبدو الحكومات والمؤسسات والكيانات غريبة الأطوار حين تتقمص طبيعتي وأنا أغضب من الذين ينتقدون أسلوبي في الكلام أو الذين يتهكمون على صلعتي.

الكلمة قوية ومؤثرة لا شك في هذا، لكن الكيانات الصلبة لا يؤثر فيها الكلام، ولا يؤذيها كما يؤذي الأشخاص، وما يخيفني كفرد من «كلام الناس» يجب ألا يكون هو ذات ما تخشاه الكيانات الكبيرة.

وبمناسبة الحكومات والدول، والشيء بالشيء يذكر، فإني أذكر أن خادم الحرمين الشريفين قد قال ردا على من طلب إسكات بعض الصحفيين والكتاب «إنه يجب أن تتاح الفرصة لهم ليتكلموا ويعبروا بحرية فإن كان كلامهم صحيحا فقد دلونا على الصواب، وإن كان خاطئا فقد أتاحوا الفرصة للرد عليهم»، وهذا غاية ما يرجوه أي كاتب من أي حكومة في هذا الكوكب.

وعلى أي حال.. حين بدأت في كتابة المقال كانت النية أن أكتب عن حرية الصحافة وأنها تعيش أزمة حقيقية هذه الأيام، تأتيها من كل اتجاه، فهي تعاني ماليا وتعاني من القيود المتغيرة غير المكتوبة التي لا يراها إلا الراسخون في الرقابة. ولكني قررت أن أسكت ولا أقول شيئا من هذا القبيل لعدة أسباب، منها أني لا أعلم هل هذا مما يجوز قوله أم إنه من الخطوط الحمراء، وأهمها أني أريد أن ينشر المقال، دون أن أضرس بأنياب ولا أن أوطأ بمنسم، ودون أن أختنق بخط أحمر تجاوزته دون أن أعلم أنه أحمر.

agrni@