ياسر عمر سندي

مرتزقة المنظمات بين المصلحة العامة ومنفعة الذات

الأربعاء - 16 أكتوبر 2019

Wed - 16 Oct 2019

على اختلاف المنشآت والمنظمات من حيث الأنشطة وتلبية الاحتياجات وتقديم الخدمات، وبحسب اتساعها وأدائها لكل المهمات وتنويعها لأكثر المنتجات، إلا أنها ترتكز على مبادئ وقيم رئيسة وراسخة كالصدق والوفاء والالتزام والوضوح والاحترام والجودة، والتي تدفعها للمضي قدما في ظل احتدام التنافسية العالمية الشرسة التي تتطلب استبقاء تلك المنظمات، سواء العامة أو الخاصة أو المختلطة بين العامة والخاصة، والتي نشأت جميعها في الأصل لتلبية رغبات وأذواق الجمهور والبحث عن نواحي الرضا والإشباع للعملاء الخارجيين والداخليين، ليجنوا من خيرات هذه المنظمات فوائد مادية ملموسة أو معنوية محسوسة. والعملاء الداخليون هم الموارد البشرية وموظفو وعمال الشركة الذين يمثلون العمود الفقري لجسد المنظمة، حيث يشكلون ويتشكلون بما يسمى بـ «الولاء التنظيمي والانتماء المؤسسي».

ورأس المال البشري كما أحب أن أطلق على العملاء الداخليين للمنظمات يتنامى ويتعاظم دورهم من امتلاكهم للخبرات الطويلة التي قد تمتد لأكثر من جيل من الزمان، ومخزونهم المعرفي الذي مكنهم باحترافية الخبراء من التعامل مع الأحداث المتغيرة على اختلاف دوافعها، سواء كانت مالية أو تنظيمية، والتي تلعب دور المحرك الأساسي في ظهور التقلبات في عالم المال والأعمال المؤدية للتغير في أمزجة وأذواق العملاء الخارجيين، والذي يعادلها ويوازنها رأس المال البشري الوحيد المستدام، والذي لا يتأثر مثلما تتأثر رؤوس الأموال الأخرى كالمادية والمعلوماتية والعمرانية والمكتبية، لسببين: الأول توقعاتهم العالية من منظماتهم، والثاني قوة ولائهم لها.

ومعيارا الصمود والوثوق اللذان يخالجان رأس المال البشري جراء إيمانهم في المعرفة الكامنة لديهم بإدارة شؤون منظمتهم حتى وإن طالتها بعض المطبات الهوائية، فإنها تستعيد استقرارها وهدوءها على الفور؛ والمورد البشري الأصيل الذي تربى داخل هذه المنظمة يعتبر كالابن البار الذي يتلمس مكامن السعادة والراحة لأسرة البيت الكبير، بل ويطمح لاستبقائه متماسكا أمام التسربات الدخيلة الساعية لخلخلة مدخراته.

فالارتباط المنظمي بين الموظفين والمنشأة لا يقوى إلا بمنح الثقة والتقدير لأبناء المنظمة الذين استمدوا القيم من الرعيل السابق، ومن ثم غرسوها في الجيل اللاحق لتحقيق المصلحة العامة والحفاظ عليها. فانقضاء السنوات الطويلة داخل سراديب المنظمة أعطاهم الحق في معرفة ما لهم وما عليهم، وما كان يحدث وما سيكون، فهم يعملون بصورة ذهنية ضمنية ملؤها رد الجميل على المدى الطويل.

ويستشعر أبناء المنظمة أنهم عوامل إنجاح واستبقاء لهذا الكيان، من خلال المميزات الممنوحة لهم والرواتب المقدرة والترقيات والبدلات المقررة، بحسب السياسة واللوائح المعتمدة التي يكتسبها الموظف، وتعطيه الحق في صياغة العقد النفسي الذي يرضي الموظف ويشعره بالاعتزاز والفخر كونه منتميا لمنظمته، ومن ناحية أخرى يجعله منزعجا من أي سوء يمس منظمته أو يقلل من نجاحها؛ فالموظف يسعى دوما لرفعة علامتها التجارية واسمها المجتمعي اللذين يولدان إحساسا داخليا عميقا بالتوأمة التنظيمية.

إن قيام بعض المنظمات بعملية الاستقطاب العشوائية لتنفيذيين من مجالات وصناعات مختلفة وبيئات عمل مغايرة بحجة التحسين والتطوير، يضربون عرض الحائط بالمصلحة العامة للمنظمة وموظفيها. فهل الذين يجري استقطابهم أكفاء وصالحون أكثر من أبنائها، أم هم بعيدون كل البعد عن أبجديات الولاء والانتماء؟

إن إمعان النظر في سلوكيات هؤلاء التنفيذين الذين أشبههم بالرحالة الذين يقفزون من منظمة إلى أخرى، يؤدي إلى فهم أن ما يجمعهم هو التوجه النفعي نفسه والسبب المصلحي في الاستحواذ المادي الشخصي، وهم بعيدون كل البعد عن تطبيق مبادئ المصلحة العامة، مما يرهق المنظمة ويسبب لها الخلل التنظيمي جراء إقصاء وفقد خبراتها ورجالاتها الأوفياء.

@Yos123Omar