أحمد الهلالي

ارتباك المتقاعد العسكري!

الثلاثاء - 15 أكتوبر 2019

Tue - 15 Oct 2019

تأتي هذه المقالة ضمن سلسلة مقالات (التقاعد)، موضوعها تقاعد العاملين في قواتنا المسلحة والأمن، فهم أسوار البلاد وحصنها المنيع، لا يتأخرون عن واجب، ولا يثنيهم حر ولا زمهرير عن أداء مهامهم، شغفهم بوطنهم واستشعارهم لمسؤولياتهم تزيد عن معاني الواجبات، فإني أعرف من أصيب أكثر من مرة في الحد الجنوبي، وكان يصر على العودة إلى القتال، ومنهم من عاد وأصيب أخرى، فإن لم تثنه إصابته أجزم بأنه سيعود.

روح الجندي السعودي أبيّة، وهمته شامخة، وحديثي عن تجربة وخبرة، فقد عملت في جهاز الأمن، وعرفت من زملائي رجالا شجعانا، وكلمة (شجاعة) أقل وصف يمكن أن يطلق عليهم، إقداما وبسالة وإيثارا، يفتدي زميله بنفسه، ولو أتاح المسؤولون للأدباء والمدونين باب جمع القصص المدهشة في تضحيات العسكريين (جيشا/ وأمنا) لجمعوا مجلدات تغنينا عن قصص الأولين في هذا الباب، ويمكن تحويلها إلى أعمال سينمائية أو درامية تضاهي الأعمال العالمية، وليت الشؤون الثقافية في الوحدات العسكرية بأنواعها تعنى بهذا الجانب، وتوثق تلك القصص المدهشة، وتنشرها للأجيال، بدلا من اقتصارها على شؤون الوعظ والإرشاد.

هؤلاء الرجال يعجز البيان عن وصفهم، ولهم الفضل علينا جميعا، فكل لحظة أمن ورفاهية نعيشها، لم تكن لتحصل بعد الله إلا بفضل تضحياتهم وقيامهم بواجباتهم على أكمل وجه، وأولئك الأبطال ما يزالون ينتظرون أن يجد المسؤولون حلا لمعاناتهم، ولن يعجزوا، فسلّم الرواتب العسكري يعطي راتبا أساسيا لكل رتبة، ثم يضيف إليه بدلات متنوعة تحسن دخل العسكري، لكن حين يجثم التقاعد، تتضاءل مرتباتهم ـ خاصة الأفراد ـ بصورة مربكة جدا.

سن التقاعد العسكري أقل بكثير من المدني، بمعنى أنه يتقاعد وما يزال أبناؤه في كنفه، وقد كبر بعضهم وكثرت متطلباته، وحين ينخفض مرتبه إلى أقل من النصف أحيانا؛ فإنه يعاني معاناة شديدة، وتزيد معاناة بعضهم حين يخرج من السكن العسكري، وظروفه المادية لم تسمح له بامتلاك منزل خاص قبل التقاعد، فيضطر إلى البحث عن مصادر إضافية للدخل، وغالبا يكون السن حائلا بينه وبين كثير من الوظائف، فتستمر معاناته ومعاناة أسرته.

منذ سنوات طويلة ونحن نسمع أن الأمر قيد الدراسة، لكن لم يصدر ما يطيّب الخاطر رسميا حسب علمي، وما يزال كثير منهم يترقب قبل تقاعده أن يتغير هذا النظام، وتثبّت البدلات على رواتبهم الأساسية، ليخفف من معاناتهم بعد التقاعد، ويعيشوا وأسرهم حياة كريمة، فالعمل العسكري كد وكفاح في القوة، يستحق مزاولوه الراحة والسكينة حين يقتربون من الضعف.

ahmad_ helali@